الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ [سورة الرعد:20-23].
يقول تعالى مخبراً عمن اتصف بهذه الصفات الحميدة بأن لهم عقبى الدار، وهي العاقبة والنصرة في الدنيا والآخرة: الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ، وليسوا كالمنافقين الذين إِذا عاهد أحدهم غدر، وإذا خاصم فجر، وإذا حدث كذب، وإذا ائتمن خان، وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ من صلة الأرحام والإحسان إليهم، وإلى الفقراء والمحاويج، وبذل المعروف، وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ أي: فيما يأتون وما يذرون من الأعمال، يراقبون الله في ذلك، ويخافون سوء الحساب في الدار الآخرة؛ فلهذا أمرهم على السداد والاستقامة في جميع حركاتهم وسكناتهم، وجميع أحوالهم القاصرة والمتعدية.
قوله - تبارك وتعالى -: الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ [سورة الرعد:20]، الفرق بين العهد والميثاق: أن الميثاق عهد ولكنه مؤكد، فهو أخص من مطلق العهد.
وقد فسر بعض أهل العلم قوله – تبارك وتعالى -: يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ بالعهد الذي بينهم وبين الله – تبارك وتعالى - وما يتبع ذلك من العهود بينهم وبين الناس، وأما الميثاق فهو العهود المؤكدة بالأيمان.
وقال بعض أهل العلم: العهد هو جميع العهود التي تكون لله وهي أوامره ونواهيه، ويدخل في ضمن ذلك ما التزمه العبد من عند نفسه كالنذر، وكالمعاهدة التي يجعلها بينه وبين الله، وأما الميثاق فهو ما أخذه الله على عباده حينما استخرجهم من ظهر أبيهم آدم -عليه الصلاة والسلام- فقد قال – تبارك وتعالى - وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [سورة الأعراف:172].
والله لا يحاسب بهذا الميثاق الذي أخذه على عباده لما أخرجهم من ظهر أبيهم آدم بل أودع فيهم الفطرة، أرسل إليهم الرسل، وقال: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [سورة الإسراء:15]، وهذا من كمال عدله - -.
وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ [سورة الرعد:21]، قال ابن كثير: "من صلة الأرحام والإحسان إليهم، وإلى الفقراء والمحاويج، وبذل المعروف" ويدخل في هذه الآية كل ما يمكن أن يحتمله، كالتقرب إلى الله – تبارك وتعالى - وطاعة النبي ﷺ وتوقيره وتعزيره، وصلة الوالدين وبرهم، وصلة الأرحام والقرابات، والقيام بحق كالزوجات والجيران، وغيرها.