وقوله: الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ [سورة الرعد:29] قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس - ا -: فرح وقرة عين، وقال عكرمة: نعم ما لهم، وقال الضحاك: غبطة لهم، وقال إبراهيم النخعي: خير لهم، وقال قتادة: هي كلمة عربية، يقول الرجل: طوبى لك، أي أصبت خيراً، وقال في رواية: طوبى لهم حسنى لهم، وَحُسْنُ مَآبٍ، أي: مرجع، وهذه الأقوال شيء واحد، لا منافاة بينها.
وروى البخاري ومسلم جميعاً عن سهل بن سعد أن رسول الله ﷺ قال: إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، قال: فحدثت به النعمان بن أبي عياش الزرقي، فقال: حدثني أبو سعيد الخدري عن النبي ﷺ قال: إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام ما يقطعها[1].
وفي صحيح مسلم عن أبي ذر عن رسول الله ﷺ عن الله : يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيئاً إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل في البحر[2]. الحديث بطوله.
وقال خالد بن معدان: إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى، لها ضروع كلها ترضع صبيان أهل الجنة، وإن سقط المرأة يكون في نهر من أنهار الجنة يتقلب فيه حتى تقوم القيامة، فيبعث ابن أربعين سنة، رواه ابن أبي حاتم.
ما ذكره الحافظ ابن كثير – رحمه الله – في تفسير هذه الآيات هو في غاية الوضوح في المعنى، ولا يحتاج إلى مزيد إيضاح ومناقشة.
قوله - تبارك وتعالى -: الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ [سورة الرعد:29]، أقوال أهل العلم في تفسير طُوبَى أنها: خير لهم، أو نعم ما لهم، أو غبطة لهم وفرح وقرة عين، أو أنها الحالة المستطابة، أو أنها الجنة، كل هذه المعاني بمعنى واحد.
وفسر بعض أهل العلم طُوبَى بأنها شجرة في الجنة واستدلوا بحديث أنس بن مالك : عن النبي ﷺ قال: إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها[3]، وهذا القول أخص من القول أن طُوبَى هي الجنة.
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى- في تفسير قول الله تعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [سورة الرعد:28] الطمأنينة سكون القلب إلى الشيء، وعدم اضطرابه وقلقه، ومنه الأثر المعروف: الصدق طمأنينة والكذب ريبة، أي: الصدق يطمئن إليه قلب السامع، ويجد عنده سكوناً إليه، والكذب يوجب له اضطراباً وارتياباً، ومنه قوله ﷺ: البر ما اطمأن إليه القلب[4] أي: سكن إليه وزال عنه اضطرابه وقلقه، وفي ذكر الله ها هنا قولان:
أحدهما: أنه ذكر العبد ربه، فإنه يطمئن إليه قلبه ويسكن فإذا اضطرب القلب وقلق فليس له ما يطمئن به سوى ذكر الله، ثم اختلف أصحاب هذا القول فيه، فمنهم من قال: هذا في الحلف واليمين، إذا حلف المؤمن على شيء سكنت قلوب المؤمنين إليه واطمأنت، ويروى هذا عن ابن عباس - ا -.
ومنهم من قال: بل هو ذكر العبد ربه بينه وبينه، يسكن إليه قلبه ويطمئن، والقول الثاني: أن ذكر الله ههنا القرآن وهو ذكره الذي أنزله على رسوله، به طمأنينة قلوب المؤمنين، فإن القلب لا يطمئن إلا بالإيمان واليقين، ولا سبيل إلى حصول الإيمان واليقين إلا من القرآن، فإن سكون القلب وطمأنينته من يقينه، واضطرابه وقلقه من شكه، والقرآن هو المحصل لليقين، الدافع للشكوك والظنون والأوهام، فلا تطمئن قلوب المؤمنين إلا به، وهذا القول هو المختار.
وكذلك القولان أيضاً في قوله تعالى: وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ [سورة الزخرف:36]، والصحيح: أن ذكره الذي أنزله على رسوله - وهو كتابه - من أعرض عنه قيض له شيطانا يضله ويصده عن السبيل، وهو يحسب أنه على هدى، وكذلك القولان أيضا في قوله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [سورة طـه:124]، والصحيح: أنه ذكره الذي أنزله على رسوله وهو كتابه؛ ولهذا يقول المعرض عنه: رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [سورة طـه:125-126]، وأما تأويل من تأوله على الحلف، ففي غاية البعد عن المقصود، فإن ذكر الله بالحلف يجري على لسان الصادق والكاذب والبر والفاجر، والمؤمنون تطمئن قلوبهم إلى الصادق ولو لم يحلف، ولا تطمئن قلوبهم إلى من يرتابون فيه ولو حلف، وجعل الله سبحانه الطمأنينة في قلوب المؤمنين ونفوسهم وجعل الغبطة والمدحة والبشارة بدخول الجنة لأهل الطمأنينة، فطوبى لهم وحسن مآب[5]. انتهى.
قوله – تبارك وتعالى -: أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [سورة الرعد:28] أي: بذكر العبد لربه يطمئن قلبه ويستريح ويسكن، وهذا أمر حاصل لا شك فيه.
وكلمة "ذكر"، مصدر، تأتي للفاعل وتأتي للمفعول، أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ فبذكر الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ؛ فإذا ذكر العبد ربه اطمأنت نفسه وسكنت، وقد قال النبي ﷺ: مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت[6].
- رواه البخاري، كتاب الرقائق، باب صفة الجنة والنار (5 / 2398)، برقم (6186)، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها (4 / 2176)، برقم (2827)، واللفظ للبخاري.
- رواه مسلم، كتاب البر الوصلة والآداب، باب تحريم الظلم (4 / 1994)، برقم (2577).
- رواه البخاري، كتاب بدء الوحي، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة (3 / 1187)، برقم (3079)، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها (4 / 2175)، برقم (2826).
- رواه أحمد (29 / 527)، برقم (18001).
- انظر مدارج السالكين (2 / 512).
- رواه البخاري، كتاب الدعوات، باب فضل ذكر الله (5 / 2353)، برقم (6044).