السبت 12 / ذو القعدة / 1446 - 10 / مايو 2025
وَٱلَّذِينَ ءَاتَيْنَٰهُمُ ٱلْكِتَٰبَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ ۖ وَمِنَ ٱلْأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُۥ ۚ قُلْ إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ وَلَآ أُشْرِكَ بِهِۦٓ ۚ إِلَيْهِ أَدْعُوا۟ وَإِلَيْهِ مَـَٔابِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ ۝ وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ [سورة الرعد:36-37].

يقول تعالى: وَالّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وهم قائمون بمقتضاه، يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ أي: من القرآن لما في كتبهم من الشواهد على صدقه والبشارة به، كما قال تعالى: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ [سورة البقرة:121] الآية، وقال تعالى: قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ [سورة الإسراء:107] إلى قوله: إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً [سورة الإسراء:108] أي: إن كان ما وعدنا الله به في كتبنا من إرسال محمد ﷺ لحقاً وصدقاً مفعولاً لا محالة وكائناً، فسبحانه ما أصدق وعده، فله الحمد وحده.

قوله – تبارك وتعالى –: وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ أي: قائمون بمقتضاه؛ لأنه ليس كل الذين أوتوا الكتاب يفرحون بما أوتيه النبيﷺ بل كثير من هؤلاء كذب به ورده كما هو معلوم، وهذا قول الحافظ ابن كثير – رحمه الله - .

وقال الحافظ ابن جرير – رحمه الله -: وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ، أي: من أسلم منهم كعبد الله بن سلام والنجاشي، وقول الحافظ ابن كثير ليس ببعيد منه، وإن كان أوسع قليلاً.

وقال بعض أهل العلم: وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ هم المسلمون فمن دخل في الإسلام يفرحون بما ينزله الله عليك من القرآن، ويتلقونه بالقبول، ويعملون به، لكن هذا فيه بعد، وإذا أطلق أهل الكتاب فالأصل أنه يتوجه إلى أهل الكتب قبلنا، اليهود والنصارى.

وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا [سورة الإسراء:109]، وقوله: وَمِنَ الأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ [سورة الرعد:36] أي: ومن الطوائف من يكذب ببعض ما أنزل إليك. وقال مجاهد: وَمِنَ الْأَحْزَابِ أي: اليهود والنصارى، مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ أي: بعض ما جاءك من الحق، وكذا قال قتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم.

قوله: وَمِنَ الأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ أي: ومن اليهود والنصارى من ينكر بعضه، وهذه الآية تخصيص لقوله – تبارك وتعالى -: وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ، وقال بعض أهل العلم: وَمِنَ الأَحْزَابِ يعني من المشركين، ويكون المعنى: الذين آتاهم الله الكتاب، لعلمهم بالكتاب يفرحون بما أنزل إليك، ومن أهل الإشراك ينكرون ما تأتيهم به من الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، ولا وجه لتخصيصه بأهل الإشراك.

وهذا كما قال تعالى: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ [سورة آل عمران:199]، قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ [سورة الرعد:36] أي: إنما بعثت بعبادة الله وحده لا شريك له، كما أرسل الأنبياء من قبلي، إِلَيْهِ أَدْعُو أي: إلى سبيله أدعو الناس، وَإِلَيْهِ مَآبِ أي: مرجعي ومصيري.