الأحد 11 / ذو الحجة / 1446 - 08 / يونيو 2025
بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ الٓر ۚ كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال المصنف - رحمه الله تعالى -: تفسير سورة إبراهيم وهي مكية.

بسم الله الرحمن الرحيم

الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ۝ اللّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ۝ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ [سورة إبراهيم:1-3].

قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة في أوائل السور، كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ أي: هذا كتاب أنزلناه إليك يا محمد، وهو القرآن العظيم الذي هو أشرف كتاب أنزله الله من السماء، على أشرف رسول بعثه الله في الأرض إلى جميع أهلها عربهم وعجمهم، لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ أي: إنما بعثناك يا محمد بهذا الكتاب لتخرج الناس مما هم فيه من الضلال والغي إلى الهدى والرشد، كما قال تعالى: اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ [سورة البقرة:257] الآية. وقال تعالى: هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [سورة الحديد:9] الآية.

وقوله: بِإِذْنِ رَبِّهِمْ أي: هو الهادي لمن قدر له الهداية على يدي رسوله المبعوث عن أمره يهديهم، إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ  أي: العزيز الذين لا يمانَع ولا يغالَب، بل هو القاهر لكل ما سواه، الْحَمِيدِ أي: المحمود في جميع أفعاله وأقواله وشرعه وأمره ونهيه الصادق في خبره.

وقوله: اللّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [سورة إبراهيم:2] قرأ بعضهم مستأنفاً مرفوعاً وقرأ آخرون على الإتباع صفة للجلالة، كقوله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [سورة الأعراف:158] الآية.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فقوله - تبارك وتعالى -: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [سورة إبراهيم:1] ما يحصل على يد النبي ﷺ من هداية الإرشاد إنما يكون ذلك واقعاً بإذن الله - تبارك وتعالى - فالله هو الذي أمره بذلك، وما يحصل للقلوب من الهداية والتوفيق فإن ذلك لا يكون إلا بإذن الله - تبارك وتعالى - فلا يهتدي أحد إلا أن يكون الله - تبارك وتعالى - قد كتب له الهدى؛ ولهذا قال الله : إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [سورة القصص:56]، فلا يحصل من النبي ﷺ هداية التوفيق، وإنما الذي يحصل منه هو هداية الإرشاد، قال – تبارك وتعالى - وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [سورة الشورى:52].

قوله - تبارك وتعالى -: اللّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ [سورة إبراهيم:2]، قرأ الجمهوراللّهِ بالجر، ويعرب لفظ الجلالة هنا عطف بيان لما قبله.

وقرأ نافع وابن عامر بالرفع اللهُ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ، ويمكن أن يكون خبراً لمبتدأ محذوف، تقديره: هو الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، ولا إشكال على القراءتين، إلا أن البعض قد يتساءل، ويقول: إن لفظ الجلالة يأتي أولاً وتأتي باقي الأسماء معطوفة عليه أو بعده من غير عطف، فالله هو العزيز الجبار الرحمن الرحيم المتكبر، ولا تقول: المتكبر الرحمن الرحيم الله العزيز الحكيم؛ وذلك أنه أعرف المعارف، كما قال سيبويه - رحمه الله - وقد قيل: إنه رُئي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، أو قال: أدخلني الجنة بقولي: إن اسمه "الله" أعرف المعارف.

وجواب ذلك: أنه لا بأس أن يأتي لفظ الجلالة بعد الأسماء إذا لوحظ المعنى فيُذكر اسم قبله على سبيل العلمية مع تضمنه للصفة، ثم يُذكر بعد ذلك ما بعده من الأسماء، ومنها لفظ الجلالة "الله".

وقوله: وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ أي: ويل لهم يوم القيامة إذ خالفوك يا محمد وكذبوك.