وَبَرَزُواْ لِلّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاء عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ [سورة إبراهيم:21].
يقول تعالى: وَبَرَزُواْ أي: برزت الخلائق كلها برها وفاجرها لله الواحد القهار، أي اجتمعوا له في براز من الأرض وهو المكان الذي ليس فيه شيء يستر أحداً، فَقَالَ الضُّعَفَاءُ وهم الأتباع، لقادتهم وسادتهم وكبرائهم لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا عن عبادة الله وحده لا شريك له وعن موافقة الرسل قالوا لهم: إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً أي: مهما أمرتمونا ائتمرنا وفعلنا، فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ أي: فهل تدفعون عنا شيئاً من عذاب الله كما كنتم تعدوننا وتمنوننا، فقالت القادة لهم: لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ ولكن حق علينا قول ربنا، وسبق فينا وفيكم قدر الله، وحقت كلمة العذاب على الكافرين، سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ أي: ليس لنا خلاص مما نحن فيه إن صبرنا عليه أو جزعنا منه.
قلت: والظاهر أن هذه المراجعة في النار بعد دخولهم إليها، كما قال تعالى: وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ [سورة غافر:47-48]، وقال تعالى: قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ تَعْلَمُونَ وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ [سورة الأعراف:38-39]، وقال تعالى: وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً [سورة الأحزاب:67-68]، وأما تخاصمهم في المحشر، فقال تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [سورة سبأ:31-33].
الكبراء والقادة لهم ضعف العذاب باعتبار أنهم أضلوا الأتباع، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها[1]، لكن قوله: لِكُلٍّ ضِعْفٌ يشمل الأتباع، ووجه ذلك أن هؤلاء الأتباع لا يخلو الواحد منهم من إضلال، والنبي ﷺ يقول: كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه[2]، فهذا التابع الفقير المسكين الذي يكون في غاية الضعف والمهانة، إذا جاءه أولاد فنشأهم على الكفر يكون قد أضلهم، فالواحد من الأتباع لا يخلو من إضلال لغيره.
- رواه ابن ماجه برقم (203)، كتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة، وأحمد في المسند (31/536)، برقم (19200)، وقال محققوه: حديث صحيح وهذا إسناد حسن، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (6306).
- رواه البخاري برقم (1319)، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين، ومسلم برقم (2658)، كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين.