السبت 17 / ذو الحجة / 1446 - 14 / يونيو 2025
لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ

المصباح المنير المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

هذا كله وهم غافلون عما يراد بهم وما قد أحاط بهم من البلاء، وماذا يصبحهم من العذاب المستقر؛ ولهذا قال تعالى لمحمد ﷺ: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [سورة الحجر:72].

كلام الحافظ ابن كثير - رحمه الله - باعتبار أنهم قوم لوط، يجادلونه في هؤلاء الأضياف، ويريدون فعل الفاحشة بهم، وهؤلاء ملائكة جاءوا بعذابهم، وهذا هو الظاهر المتبادر، والقول الآخر الذي قال به طائفة من السلف: إن ذلك يقصد به كفار قريش، إنهم لَفِي سَكْرَتِهِمْ، ولكن هذا فيه بعد، والله أعلم.

وقوله: لَعَمْرُكَ المقصود القسم بعمر النبي ﷺ، يقال: عُمرٌ وعَمرٌ بالفتح والضم، ولكن صار الذي يستعمل مع القسم ما كان بالفتح؛ لأنه أخف على اللسان من أن يقول: لعُمرك، فيقال: لعَمرك، فهو قسم.

ولهذا قال تعالى لمحمد ﷺ: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ أقسم تعالى بحياة نبيه ﷺ، وفي هذا تشريف عظيم ومقام رفيع وجاه عريض.

وقيل: إن هذا قسم بحياة لوط ، وإن الذين أقسموا هم الملائكة، ولكن هذا بعيد.

قال عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء عن ابن عباس - ا - أنه قال: ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفساً أكرم عليه من محمد ﷺ، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره، قال الله تعالى: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ يقول: وحياتك وعمرك وبقائك في الدنيا. إنهم لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ رواه ابن جرير.

وقال قتادة: لَفِي سَكْرَتِهِمْ أي: في ضلالهم، يَعْمَهُونَ أي: يلعبون، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - ا -: لَعَمْرُكَ لعيشك إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ قال: يترددون.

قوله: يَعْمَهُونَ أي: يتخبطون ويتحيرون ويترددون، وذكر الحافظ ابن القيم - رحمه الله - أنه عبر بالسكرة إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ على أن المراد - كما هو المشهور والظاهر المتبادر - قوم لوط، وليس المراد به قريش، عبر بالسكرة؛ لأن سكر الشهوة يماثل سكر الشراب، فإذا كانت الشهوة غالبة على الإنسان فإنه يصير في حال مثل السكر، فيوقعه ذلك في ما يدنس شرفه ومروءته، ولربما بلغ به الأمر أن يقع على بنته وأخته ومحارمه - نسأل الله العافية - وكل ذلك بسبب سكر الشهوة؛ ولذلك فإن هؤلاء الذين يجنون على أنفسهم فيشاهدون الأفلام السيئة والمواقع السيئة، يصلون إلى حالة تشبه السكر، ثم بعد ذلك يقع على أقرب من يجد، فكم رجلٍ وقع على بناته، وهذا يقع على أخته، يكون في حال مثل السكران، مثل البهيمة تماماً، يريد شيئاً يقضي فيه وطره، ولو لم يقض هذا الوطر لوجد عنتاً وتعباً وألما في جسده، نسأل الله العافية، والله المستعان.

مرات الإستماع: 0

ثم قال: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ أي: وإذا ذكرت لهم آيات القرآن والحجج والدلائل الواضحات على توحيد الله، وأنه لا إله إلا هو، وأن رسله الكرام حق وصدق، يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا أي: يكادون يبادرون الذين يحتجون عليهم بالدلائل الصحيحة من القرآن، ويبسطون إليهم أيديهم وألسنتهم بالسوء، قُلْ أي: يا محمد لهؤلاء، أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا أي: النار وعذابها ونكالها أشد وأشق وأطم وأعظم مما تخوفون به أولياء الله المؤمنين في الدنيا، وعذاب الآخرة على صنيعكم هذا أعظم مما تنالون منهم، إن نلتم بزعمكم وإرادتكم.

وقوله: وَبِئْسَ الْمَصِيرُ أي: وبئس النار منزلا ومقيلا ومرجعا وموئلا ومقاما، إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [سورة الفرقان:66].

بعض أهل العلم يقول في المراد بقوله: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ: تعرف في وجوههم ما يُنكر من العبوس، ودلائل الغضب، وأمارات الشر التي تظهر على وجوههم مما يدل على حنقهم، وشدة تغيظهم على هذا الذي يتلو عليهم آيات الله البينات، فيكون تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ أي: ما يُنكر من هذه الأمارات الظاهرة على هذه الوجوه الغاضبة.

 وبعضهم يقول: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يعني الإنكار عليك، أو أن هذه الوجوه منكرة لهذا الذي سمعتْه أو ما قرأه من التوحيد، والأمر بعبادة الله وحده لا شريك له وما شابه ذلك، وبعضهم يقول: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ  يعني الترفع، والتكبر، والتعالي وما أشبه ذلك، وهذا يرجع إلى أصل المعنى وإن كان يختلف عنه في توجيهه، فالمقصود أنك تعرف في وجوه هؤلاء أمراً مستنكراً، فيكون المنكر هو ما يُنكر مما يظهر على هذه الوجوه إما من تكبر، وترفع، أو غضب، وحنق، وعبوس، واشمئزاز وما أشبه ذلك، ويمكن أن يقال: إن الآية تفسر بما هو أقرب من هذا كله تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ أي تعرف في وجوههم ما يدل على التوثب، والحنق، وفسره بما بعده وهو قوله: يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا [سورة الحج:72] فأنت تعرف في وجوههم المنكر بالدلائل والأمارات التي تدل على شدة توثب هذه النفوس، وتغيظها، وحنقها، حيث تريد البطش وإيصال السوء بمن تلا عليهم الآيات، ثم قال الله - تبارك وتعالى -: أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا يقول: أي النار وعذابها، ونكالها أشد، وأشق، وأطم، وأعظم مما تخوفون به أولياء الله المؤمنين في الدنيا، بمعنى أن الحافظ ابن كثير - رحمه الله - قال بأن معنى أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ يعني أنتم تريدون إيقاع المكروه بهؤلاء الذين يتلون عليكم آيات الله ، وهناك ما هو أعظم من هذا وهو ما ينتظركم من عذاب الله ، فالنار أشد من هذا الذي تريدون إيصاله من الأذى إلى هؤلاء الذين يتلون عليكم آيات الله، فهذا الذي مشي عليه ابن كثير - رحمه الله -، وبعضهم يقول: بِشَرٍّ من هذا الذي ظهرت أمارته من الحنق والغضب في نفوسكم النار التي تصيرون إليها، وابن جرير - رحمه الله - ذهب به إلى معنى آخر أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ يعني: بأكره أو بما هو أشد كراهية من هذا الذي سمعتموه، أو من هذه الكراهية الشديدة حينما سمعتم آيات الله هناك ما هو أشد إيلاماً لنفوسكم وهو النار التي تنتظركم، هذا أشد وأعظم من هذا التكره الذي حصل لكم حينما سمعتم الآيات تتلى، كرهوا سماع هذه الآيات، فالله يقول: هناك ما هو أشد كراهة في نفوسكم، وأعظم وقعاً وهو ما ينتظركم من العذاب في الآخرة.