كلام الحافظ ابن كثير - رحمه الله - باعتبار أنهم قوم لوط، يجادلونه في هؤلاء الأضياف، ويريدون فعل الفاحشة بهم، وهؤلاء ملائكة جاءوا بعذابهم، وهذا هو الظاهر المتبادر، والقول الآخر الذي قال به طائفة من السلف: إن ذلك يقصد به كفار قريش، إنهم لَفِي سَكْرَتِهِمْ، ولكن هذا فيه بعد، والله أعلم.
وقوله: لَعَمْرُكَ المقصود القسم بعمر النبي ﷺ، يقال: عُمرٌ وعَمرٌ بالفتح والضم، ولكن صار الذي يستعمل مع القسم ما كان بالفتح؛ لأنه أخف على اللسان من أن يقول: لعُمرك، فيقال: لعَمرك، فهو قسم.
وقيل: إن هذا قسم بحياة لوط ، وإن الذين أقسموا هم الملائكة، ولكن هذا بعيد.
قال عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء عن ابن عباس - ا - أنه قال: ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفساً أكرم عليه من محمد ﷺ، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره، قال الله تعالى: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ يقول: وحياتك وعمرك وبقائك في الدنيا. إنهم لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ رواه ابن جرير.
وقال قتادة: لَفِي سَكْرَتِهِمْ أي: في ضلالهم، يَعْمَهُونَ أي: يلعبون، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - ا -: لَعَمْرُكَ لعيشك إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ قال: يترددون.
قوله: يَعْمَهُونَ أي: يتخبطون ويتحيرون ويترددون، وذكر الحافظ ابن القيم - رحمه الله - أنه عبر بالسكرة إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ على أن المراد - كما هو المشهور والظاهر المتبادر - قوم لوط، وليس المراد به قريش، عبر بالسكرة؛ لأن سكر الشهوة يماثل سكر الشراب، فإذا كانت الشهوة غالبة على الإنسان فإنه يصير في حال مثل السكر، فيوقعه ذلك في ما يدنس شرفه ومروءته، ولربما بلغ به الأمر أن يقع على بنته وأخته ومحارمه - نسأل الله العافية - وكل ذلك بسبب سكر الشهوة؛ ولذلك فإن هؤلاء الذين يجنون على أنفسهم فيشاهدون الأفلام السيئة والمواقع السيئة، يصلون إلى حالة تشبه السكر، ثم بعد ذلك يقع على أقرب من يجد، فكم رجلٍ وقع على بناته، وهذا يقع على أخته، يكون في حال مثل السكران، مثل البهيمة تماماً، يريد شيئاً يقضي فيه وطره، ولو لم يقض هذا الوطر لوجد عنتاً وتعباً وألما في جسده، نسأل الله العافية، والله المستعان.