الإثنين 12 / ذو الحجة / 1446 - 09 / يونيو 2025
فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأيْكَةِ لَظَالِمِينَ ۝ فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنّهُمَا لَبِإِمَامٍ مّبِينٍ [سورة الحجر:78-79].

أصحاب الأيكة هم قوم شعيب ، قال الضحاك وقتادة وغيرهما: الأيكة الشجر الملتف، وكان ظلمهم بشركهم بالله وقطعهم الطريق ونقصهم المكيال والميزان، فانتقم الله منهم بالصيحة والرجفة وعذاب يوم الظلة، وقد كانوا قريباً من قوم لوط بعدهم في الزمان، ومسامتين لهم في المكان؛ ولهذا قال تعالى: وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ أي: طريق مبين، قال ابن عباس - ا - ومجاهد والضحاك وغيره: طريق ظاهر؛ ولهذا لما أنذر شعيب قومه قال في نذارته إياهم: وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ [سورة هود:89].

قوله: وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأيْكَةِ لَظَالِمِينَ، وقال الله تعالى: كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ [سورة الشعراء:176] بمعنى أنهم كذبوا جميع الرسل؛ لأن من كذب رسولاً فقد كذب سائر الرسل، كما قال الله : كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ [سورة البقرة:285]، فمن فرق بين الرسل - عليهم الصلاة والسلام - فآمن ببعض وكفر ببعض فهو كافر بجميعهم، كما قال الله - تبارك وتعالى -: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً ۝ أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا [سورة النساء:150-151]، وهذا يفسر به جميع المواضع التي يذكر الله فيها كفر قوم بالمرسلين، وجاء ذلك في قوم نوح، مع أن قوم نوح لم يسبق إليهم رسول قبل نوح ، كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ ۝ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ [سورة الشعراء:176-177]، إلى أن قال الله : فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ [سورة الشعراء:189] وقال: فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنّهُمَا لَبِإِمَامٍ مّبِينٍ، عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ أظلتهم سحابة فكان عذابهم فيها، وقال: "أصحاب الأيكة هم قوم شعيب"، ونقل عن الضحاك وقتادة: الأيكة الشجر الملتف، أيكة تجمع على أيْك، وكان يكثر هذا الشجر ربما في ناحيتهم، أَصْحَابُ الأيْكَةِ، أو عرفت أرضهم بشجر ملتف فقيل لها ذلك، فبعضهم يقول: الأيكة هي الشجر الملتف، وبعضهم يقول: هذا اسم لقريتهم ولبلدتهم، يقال لها: الأيكة، وفي قراءة نافع وابن عامر وابن كثير "ليكة"، وعلى هذه القراءة تكون اسماً للمدينة، على ما ذكره بعض أهل العلم في توجيه هذه القراءة، بفتح التاء، "كذب أصحاب ليكةَ المرسلين"، فبهذا الاعتبار تكون ممنوعة من الصرف، فهي بلا همز ولا تعريف، اسم غير منصرف، اسم للقرية أو المدينة التي كانوا فيها.

وقوله: وَإِنّهُمَا لَبِإِمَامٍ مّبِينٍ يعني قرية شعيب وقرى قوم لوط على الطريق، وقيل للطريق إمام؛ لأن المسافر يأتم به، فإذا تبعه وصل إلى مطلوبه، والطرق كانت موجودة منذ القدم، كانوا يسلكون مسالك معلومة، قد سلكها سالكون وآثار الناس فيها ظاهرة، فمن أراد الانتقال سلك هذه الطرق، فبها يأتمون ويصلون إلى مطلوبهم، وفي الآية الأخرى قال لهم شعيب : وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ [سورة هود:89] إذا فسر هذا بالقرب المكاني أي: أنهم ليسوا ببعيد منهم في المحل والمنزل والدار.