الإثنين 12 / ذو الحجة / 1446 - 09 / يونيو 2025
وَكَانُوا۟ يَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتًا ءَامِنِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وذكر تعالى أنهم كَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ أي: من غير خوف ولا احتياج إليها بل أَشَراً وبطراً وعبثاً.

قال الحافظ ابن كثير: وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ [سورة الحجر:82] يعني: أن نحتهم البيوت في الجبال ليس بسبب الخوف، يعني قد تنحت البيوت في الجبال بسبب الخوف، كما ينحت الناس في هذا العصر في الأماكن التي يكون فيها الخوف، ينحتون ربما أنفاقاً وسراديب وأماكن يتحصنون بها في داخل الجبال إذا كانوا يخشون العدو كما هو الآن في الأسلحة الحديثة، فالحافظ ابن كثير رحمه الله يقول: إنهم ما فعلوا هذا بسبب الخوف، وإنما فعلوه من زيادة البطر والترف والتوسع لا لحاجة، ومن أهل العلم من يقول في تفسير آمِنِينَ آمنين من الموت، بمعنى أن نحت الجبال يتطلب عملاً كثيراً وجهداً عظيماً ما يفعله من كان يوقن بالموت، وأنه كراكب استظل تحت ظل شجرة، وبعضهم يقول: آمِنِينَ يعني من أن تسقط عليهم، وبعضهم يقول: آمنين من الخراب؛ لأنها تبقى كما هو مشاهد إلى اليوم، حتى النحوت التي عليها والزينة لا زالت باقية، وبعضهم يقول: آمنين من عذاب الله أن يقع عليهم، والله - تبارك وتعالى - قال ذلك وأطلقه آمِنِينَ، فهم يفعلون ذلك في غفلة عما يراد بهم، يتقلبون ويتمتعون في أرض الله ، وينحتون من الجبال بيوتاً وهم في مأمن، وعذاب الله ينتظرهم كما قال لهم صالح : أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ ۝ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ۝ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ [سورة الشعراء:146-148]، ثم قال لهم: وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ [سورة الشعراء:149].

كما هو المشاهد من صنيعهم في بيوتهم بوادي الحجر الذي مرّ به رسول الله ﷺ وهو ذاهب إلى تبوك، فقنّع رأسه وأسرع دابته، وقال لأصحابه: لا تدخلوا بيوت القوم المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تبكوا فتباكوا خشية أن يصيبكم ما أصابهم[1].

ومن هنا يؤخذ أنه ليس للإنسان أن يذهب إلى تلك الديار - ديار المعذبين - وأن يدخلها للفرجة، والآيات التي ورد فيها الأمر بالسير في الأرض والنظر في أحوال الأمم المكذبة وما حل بهم ليس لجميع الناس، قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ [سورة الأنعام:11] إنما لمن كان عنده شيء من التردد والشك، هؤلاء هم الذين خاطبهم القرآن بهذا، وأما بقية الناس فخاطبهم بقوله: أَفِي اللّهِ شَكٌّ [سورة إبراهيم:10]، وقال لهم: اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [سورة الأعراف:59] مباشرة، فلا يحتاج أن يذهب وينظر، هذا لمن كانت فطرته مستقيمة، أما من لا زال متردداً متحيراً فيقال له: اذهب فانظر، فإذا دخل تلك الديار للنظر والاعتبار بما حل بهم حمله ذلك على الإيمان، فيدخل في هذه الحالة متباكياً أو باكياً، أما أن يدخل وهو معلق الكاميرا في صدره ويضحك بملء فيه، ويأكل ويشرب فهذا حرام لا يجوز، ومن لم يحتجْ إلى هذا النظر ليس له أن يسافر إلى تلك الأرض، وما كان من هذا القبيل لمجرد الفرجة.

كذلك الذين يدخلون الأهرام، الأهرام لا يدرى ما هي وما أصلها؟

أكثر العلماء يقولون: كانت قبل الطوفان؛ لأنه لم يعرف لها خبر، ولو كانت بعد الطوفان لعرفها المؤرخون، والعلماء ذكروا أنهم فتحوا بعض الأهرام ودخلوا فيه ورأوا ما فيه من التوابيت، ورأوا ما فيه من الأشياء والجثث، وكل هذه الأشياء وصفوها وصفاً دقيقاً، ثم سدوه، فيقولون: لم يذكر لها أحد خبر، فيقولون: إذا كان كذلك فهذا يدل على أنها كانت قبل الطوفان فانقطع الخبر، - فالله أعلم -، لكن هذه الأماكن من نظر إليها في داخلها وكذا باعتبار أنها ليست لأناس من أهل الإيمان؛ لكفرهم، وهي أضرحة وأشياء من هذا القبيل، وفيها تماثيل، وأمور ليست محل معروف وطاعة وهدى يدخل فيه الإنسان وإنما محل منكرات، والمفروض أن تتلف هذه الأشياء جميعاً، يتلف ما فيها من تماثيل، وما فيها من جثث، فلا تبقى؛ لأن هذه مآثر وثنية، الواجب إتلافها، ويسأل بعض الناس فيقول: لماذا الصحابة لما فتحوا مصر ما أتلفوا مثلاً أبا الهول؟ هذه الأشياء كانت بعيدة عن المساكن، وكانت منطمرة يعني أبو الهول هذا كان مدفوناً في التراب، فلما جاءت الحملة الفرنسية بدءوا يبحثون عن الآثار؛ ليربطوا المصريين بالتراث الفرعوني، أو يبحثوا لهم عن شيء قبل الإسلام، فبدءوا ينبشون الآثار ويحفرون، فاستخرجوا ما يسمى بأبي الهول، ولا أدري من أين جاءوا بهذه التسمية، وقالوا للناس: هو أبو الهول، وهو تمثال حقه أن يكسر، وهو ضخم جداً لا يكسر بالمعاول، وكان مهجوراً لا أحد يأتيه، والأهرام لا يستطيعون هدمها، وحاول بعض الخلفاء أن يهدم بعضها، فهدم بعض الصغار، أكثر من محاولة جرت متأخرة في العهد العباسي، فبعض خلفاء بني العباس حاول وما استطاع، فهدم بعض الصغار، وكان الأهالي في بعض النواحي يأخذون من الحجارة ويضعونه في مزارعهم، وفي بيوتهم، وبقيت هذه الكبيرة الضخمة جداً لا يمكن هدمها، تحمل صور تماثيل، كبيرة جداً مثل الجبال، وكانت مهجورة إلى أن جاء الفرنسيون وأحيوا هذه المآثر، وقالوا للناس: هذه آثار فرعونية، وقالوا: قرأنا في الكتابات، مع أن السابقين من العلماء ذكروا الكتابات، وفسروا بعض هذه الكتابات، وما قالوا: إنها آثار فرعونية، والله أعلم.

  1. رواه البخاري، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا، برقم (3200)، بلفظ: لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم ما أصابهم.