الخميس 03 / ذو القعدة / 1446 - 01 / مايو 2025
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا۟ مِنۢ بَعْدِ مَا فُتِنُوا۟ ثُمَّ جَٰهَدُوا۟ وَصَبَرُوٓا۟ إِنَّ رَبَّكَ مِنۢ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال المصنف - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ۝ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [سورة النحل:110-111].

هؤلاء صنف آخر كانوا مستضعفين بمكة مهانين في قومهم فوافقوهم على الفتنة، ثم إنهم أمكنهم الخلاص بالهجرة فتركوا بلادهم وأهليهم وأموالهم ابتغاء رضوان الله وغفرانه، وانتظموا في سلك المؤمنين، وجاهدوا معهم الكافرين، وصبروا، فأخبر تعالى: أنه مِن بعدها - أي تلك الفعلة وهي الإجابة إلى الفتنة - لغفور لهم، رحيم بهم يوم معادهم يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ: أي تحاجُّ عَن نَّفْسِهَا ليس أحد يحاج عنها لا أب ولا ابن ولا أخ ولا زوجة، وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ: أي من خير وشر وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ: أي لا ينقص من ثواب الخير، ولا يزاد على ثواب الشر، ولا يظلمون نقيراً.

فقوله - تبارك وتعالى -: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ، صح عن ابن عباس - ا - أنها نزلت فيمن كان بمكة من المسلمين، وأكرهوا على الخروج مع المشركين في يوم بدر، فمن حصل له ذلك بعدها من الهجرة والجهاد والتوبة والصبر فالله يغفر له ذنبه، وقوله - تبارك وتعالى -: إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ، من بعد ماذا؟ الحافظ ابن كثير - رحمه الله - يقول: أي من بعد تلك الفعلة والإجابة إلى الفتنة، يعني من بعد الذنب، لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ وهذا تحتمله الآية، وبعضهم يقول: المراد من بعد المهاجرة والجهاد والصبر والتوبة، فإن الله يغفر له ذلك، وبعضهم يقول: هذا يرجع إلى الجميع، مِن بَعْدِهَا: أي من بعد ما عملوا ذلك وتابوا منه وهاجروا وغيَّروا الحال فإن الله غفور رحيم، ولا شك أن هذه المغفرة التي ذكرتْ إنما كانت بعد أن تابوا ورجعوا وهاجروا وجاهدوا مع المسلمين، إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ فهذه المهاجرة ونحو ذلك مُرتَّبة على الفتنة التي حصلت لهم، فالذين كانوا في مكة من المستضعفين أُخرج من أخرج منهم في غزوة بدر وقتل بعضهم، وفي مثل هؤلاء يقول الله : إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا [سورة النساء:97]، واستثنى من هؤلاء صنفاً وهم المستضعفون الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً، تبينه الآية الأخرى وهم الصبيان والنساء، فهؤلاء لا يستطيعون الهجرة، فهم معذورون، لكن الرجال الأقوياء وهم في الغالب شباب فمثل هؤلاء توعدهم الله بما توعدهم به حينما خرجوا مع المشركين، والله المستعان.