الأحد 11 / ذو الحجة / 1446 - 08 / يونيو 2025
خَلَقَ ٱلْإِنسَٰنَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقّ تَعَالَىَ عَمّا يُشْرِكُونَ ۝ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِن نّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مّبِينٌ [سورة النحل:3-4].

يخبر تعالى عن خلقه العالم العلوي وهو السموات، والعالم السفلي وهو الأرض بما حوت، وأن ذلك مخلوق بالحق لا للعبث، بل لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [سورة النجم:31] ثم نزه نفسه عن شرك من عبد معه غيره، وهو المستقل بالخلق وحده لا شريك له، فلهذا يستحق أن يعبد وحده لا شريك له، ثم نبه على خلق جنس الإنسان، مِن نّطْفَةٍ أي: مهينة ضعيفة، فلما استقل ودرج إذا هو يخاصم ربه تعالى ويكذبه ويحارب رسله، وهو إنما خلق ليكون عبداً لا ضداً، كقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً ۝ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً [سورة الفرقان:54-55]، وقوله: أَوَلَمْ يَرَ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ۝ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ۝ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [سورة يس:77-79]، وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد وابن ماجه عن بسر بن جحاش قال: بصق رسول الله ﷺ في كفه، ثم قال: يقول الله تعالى: ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه، حتى إذا سويتك فعدلتك مشيت بين برديك وللأرض منك وئيد فجمعت ومنعت، حتى إذا بلغت الحلقوم قلت أتصدق، وأنى أوان الصدقة؟[1].

قوله: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ، خلقاً متلبساً بالحق، أي ليس عبثاً، وللآية نظائر في القرآن، خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ، النطفة معروفة، وتقال للشيء القليل من الماء، خَصِيمٌ مُّبِينٌ يحتمل أن يكون المعنى أنه خصيم أي يخاصم في ربه - تبارك وتعالى -، وهذا الذي مشى عليه الحافظ ابن كثير - رحمه الله -، يجادل في وحدانية الله، ويكذب رسله، وهذا هو الأقرب - والله أعلم - في تفسيرها والذي عليه عامة أهل العلم. والمعنى الآخر الذي تحتمله هو فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ أي: يخاصم ويجادل، ويبين عما في نفسه، فهو شديد الخصومة، وكثير الخصومة، ولو قيل: إن الآية تصدق على هذا وهذا، لم يكن ذلك بمستبعد، والله أعلم.

  1. رواه ابن ماجه، كتاب الوصايا، باب النهي عن الإمساك في الحياة والتبذير عند الموت، برقم (2707)، وأحمد في المسند (29/387)، برقم (17844)، وقال محققوه: إسناده حسن، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1143).