الأحد 29 / صفر / 1447 - 24 / أغسطس 2025
وَلَهُۥ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِبًا ۚ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتّخِذُواْ إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإيّايَ فَارْهَبُونِ ۝ وَلَهُ مَا فِي الْسّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَهُ الدّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ اللّهِ تَتّقُونَ ۝ وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمّ إِذَا مَسّكُمُ الضّرّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ۝ ثُمّ إِذَا كَشَفَ الضّرّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مّنْكُم بِرَبّهِمْ يُشْرِكُونَ ۝ لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ [سورة النحل:51-55].

يخبر تعالى أنه لا إله إلا هو، وأنه لا ينبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له، فإنه مالك كل شيء وخالقه وربه، وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً قال ابن عباس - ا - ومجاهد وعكرمة وميمون بن مهران والسدي وقتادة وغير واحد: أي دائماً، وعن ابن عباس أيضا: أي واجباً، وقال مجاهد: أي خالصاً له، أي له العبادة وحده ممن في السموات والأرض، كقوله: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [سورة آل عمران:83]، هذا على قول ابن عباس وعكرمة، فيكون من باب الخبر، وأما على قول مجاهد فإنه يكون من باب الطلب، أي ارهبوا أن تشركوا بي شيئاً، وأخلصوا لي الطاعة، كقوله تعالى: أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [سورة الزمر:3].

قوله - تبارك وتعالى -: وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ معروف أن الصيغة هنا صيغة تثنية، لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ، فقال: اثْنَيْنِ وكان يمكن أن يكتفى بقوله: وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ، ولكن الغرض التأكيد، ومن أهل العلم من يقول: فيه تقديم وتأخير، أي: وقال الله لا تتخذوا اثنين إلهين إنما هو واحدٌ إله، والأصل في الكلام الترتيب، ولا حاجة لمثل هذا التكلف، ومن أهل العلم من يقول: إنه قال: لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ ليبين أن الأمر الذي أنكره هو التعدد، لا إلى الجنسين، وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ فالإله واحد لا يكون متعدداً، ومن أهل العلم من يقول: قال ذلك مبالغة في التنفير عن اتخاذ آلهة وشركاء مع الله ، وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ وهذان المعنيان أقرب من المعنى الأول الذي هو دعوى التقديم والتأخير، وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ هل يكون الإله أكثر من واحد؟، فهذا القول مع القول الذي قبله يمكن أن يجتمعا.

وقوله - تبارك وتعالى -: وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً نقل عن ابن عباس - ا - وغيره أي: دائماً، ونقل عن ابن عباس: واجباً، ونقل عن غيره: خالصاً له، الدين: المقصود به الطاعة والعبادة، وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً قول من قال: أي ثابتاً، أو قول من قال: واجباً، أو قول من قال: مستمراً دائماً، أو نحو ذلك، كل هذه الأقوال ترجع إلى شيء واحد، والمقصود أن كل من يدان له ويطاع من الملوك والرؤساء والعظماء إنما يدان لهم في مدة محدودة من الزمان ما يلبث الواحد منهم أن يموت أو يعزل، ثم بعد ذلك ينساه الناس، وتنقطع طاعته، فأما الله عز جل فإنه يطاع طاعة مستمرة دائمة، وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً أي: دائماً واجباً ثابتاً مستمراً لا ينقطع ولا يزول كما هو الحال بالنسبة لمن يطاع في هذه الدنيا، وقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله - لما ذكر تفسير من فسره بأنه خالصاً، قال: "هذا على قول ابن عباس وعكرمة، فيكون من باب الخبر، - يعني في الذي قبله وهو "دائماً" -، وأما على قول مجاهد فإنه يكون من باب الطلب"، وَلَهُ الدِّينُ هي خبر متضمن معنى الطلب، حينما يخبر أن الدين خالص له على هذا التفسير، حينما يقول: وله الدين خالصاً، يعني لا تشركوا معه أحداً، ويكون خبراً مضمناً معنى الأمر، مضمناً معنى الطلب، وهذا له نظائر في القرآن، نحو قوله - تبارك وتعالى -: وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ [سورة البقرة:272] هذا خبر، فمن أهل العلم من قال: إنه خبر مضمن معنى الأمر، وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ أي: أنفقوا ابتغاء وجه الله، والله يقول في موضع آخر: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ [سورة البقرة:233] فهذا خبر بصيغة خبرية، ولكنه بمعنى الأمر والطلب، - والله أعلم -.