قوله - تبارك وتعالى -: ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ الجؤار: هو رفع الصوت بالضراعة، تَجْأَرُونَ أي: ترفعون أصواتكم بتضرع أن يكشف الله عنكم هذا الضر، وما حل بكم، وتفسر اللام بالعاقبة، فيكون معنى الآية: ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ يعني: أن وقوعهم في الإشراك بعد كشف الضر عنهم يكون عاقبته الكفر بنعمة الله عليهم، وأصل الشرك هو أظلم الظلم، وذلك أنه وضع العبادة في غير مَن خَلَق، فهو توجه إلى غير المنعم بالعبادة والشكر، فالله الذي خلق وأعطى ورزق هو المستحق أن يعبد وحده لا شريك له، وعبادته هذه من شكره - تبارك وتعالى -، فإذا وُجه العمل والعبادة إلى غير من خلق، وإلى الذي لم يعطِ ولم يرزق، فهذا من الظلم، فتوجيه العبادة إلى جماد لا يملك نفعاً ولا ضراً، وترك المنعم المتفضل - - من أعظم الظلم، فتكون لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ للعاقبة بهذا الاعتبار، - والله أعلم -.
وقوله: فَتَمَتّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ من باب التهديد والوعيد مثل: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ [سورة فصلت:40]، ومثل: قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ [سورة الزمر:8]، والأمر صيغته هذه تأتي لمعانٍ منها التهديد.