الثلاثاء 15 / ذو القعدة / 1446 - 13 / مايو 2025
وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ۩

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله: وَيَخِرّونَ لِلأذْقَانِ يَبْكُونَ أي: خضوعاً لله وإيماناً وتصديقاً بكتابه ورسوله وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً أي: إيماناً وتسليماً، كما قال:وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ[سورة محمد:17]، وقوله: وَيَخِرّونَ عطْف صفة على صفة، لا عطف السجود على السجود.

قوله -تبارك وتعالى-: إِنّ الّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ الضمير الهاء يرجع إلى القرآن، أي: من قبل أن ينزل القرآن، وبعضهم يقول: مِن قَبْلِهِ أي: من قبل النبي ﷺ، والمقصود أهل الكتاب، وعلى الخصوص أهل الإيمان منهم، إِذَا يُتْلَىَ عَلَيْهِمْ يَخِرّونَ لِلأذْقَانِ سُجّداً، والذقن هو مجمع اللحيين كما هو معلوم، وخصه بالذكر هنا بالسجود؛ لأنه أول ما يقرب من الأرض إذا سجد الإنسان، فحينما يسجد الإنسان لا يبدأ أول ما يبدأ بالجبهة ثم ينزل، وإنما ينزل ثم يضع جبهته، وَيَخِرّونَ لِلأذْقَانِ هذه صورة الساجد، ومن أهل العلم من يقول: إنه ذكر الأذقان على الخصوص والمقصود بذلك شدة الخضوع بتعفير اللحية حيث يقع ذلك من الساجد على الأرض، لأن لحيته تكون ملامسة الأرض، ولكن المعنى الذي ذُكر هو الذي ذكره الله تعالى: وَيَخِرّونَ لِلأذْقَانِ أي أن هذه هيئة من سجد، وَيَخِرّونَ لِلأذْقَانِ يَبْكُونَ.

في البداية قال:يَخِرّونَ لِلأذْقَانِ سُجّداً، وفي الثانية قال: وَيَخِرّونَ لِلأذْقَانِ يَبْكُونَ، يعني الخرور الأول ذكر فيه سجودهم، ثم ذكر بعد ذلك خشوعهم، فالأول ذكر فيه الخضوع وهو السجود والتذلل لله رب العالمين، وذلك بتعفير الوجه في الأرض، وهو أشرف شيء في الإنسان يكون أدنى شيء منه، حيث يستوي مع قدميه، ولهذا كان الكفار يأنفون ويستنكفون من السجود، أشرف شيء يوضع على الأرض –الوجه-، فهيئة السجود أكبر هيئة تذلل، لكن الناس ألفوها؛ لذا فهم لا يستشعرونها، ولا توجد هيئة أعظم من هذه الهيئة، لكنها صارت مألوفة، وكذلك الركوع، فلو رأيت أناساً يقفون أمام مخلوق بهذه الطريقة فإن هذا مشهد ينخلع له القلب، ويقف له شعر الرأس، فكيف إذا سجدوا لمخلوق؟، كل يوم نحن نفعل هذا لله ، ولكن لا نستشعر، وإلا فهو مشهد هائل عظيم، لو استشعرناه وحده دون قول نقوله أو قراءة نسمعها لكان كافياً لخشوع القلب وخضوعه، وصلاح حال العبد، وحيائه من الله ، ومراقبته له، يكفي أن يضع وجهه على الأرض، فتستقيم جميع أحواله، لكن ما نستشعر هذا، وإلا فهذا الذي قد أذل وجهه على الأرض كيف يستطيع أن يعصيه، وأن يكابره، وأن يستهزئ بشعائره وبأوليائه، ويستنكف مما لا تهواه نفسه؟!.