الثلاثاء 01 / ذو القعدة / 1446 - 29 / أبريل 2025
وَإِن كَادُوا۟ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِىٓ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتَفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُۥ ۖ وَإِذًا لَّٱتَّخَذُوكَ خَلِيلًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال المصنف - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى: وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً ۝ وَلَوْلاَ أَن ثَبّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ۝ إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً [سورة الإسراء:73-75].

يخبر تعالى عن تأييده رسوله ﷺ ، وتثبيته وعصمته وسلامته من شر الأشرار وكيد الفجار، وأنه تعالى هو المتولي أمره ونصره، وأنه لا يكله إلى أحد من خلقه بل هو وليه وحافظه وناصره مؤيده ومظفره ومظهر دينه على من عاداه وخالفه وناوأه في مشارق الأرض ومغاربها، ﷺ تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

 فقوله - تبارك وتعالى -: وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ، "كاد" تأتي لمقاربة الشيء دون وقوعه؛ ولهذا قال بعده: وَلَوْلاَ أَن ثَبّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً، و"لولا" هذه حرف امتناع لوجود، يعني لولا وجود التثبيت من الله لوقع الركون إليهم، وهذا الركون إليهم مع أنه قليل -كما وصفه الله تعالى- إلا أن الله توعد نبيه ﷺ بهذا الوعيد الشديد إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ،ضِعْفَ الْحَيَاةِ أي: عذاباً ضعفاً في الحياة، وعذاباً ضعفاً في الممات، هذا معنى ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ، ليس المقصود أن حياته تكون مضاعفة، وإنما أن العذاب الذي يكون في الدنيا يكون مضاعفاً، ضعف الحياة، يعني أن الله يعذبه في الدنيا وفي الآخرة عذاباً مضاعفاً، ذلك أنه كما قيل: على قدر المقام يكون الملام، فإذا علت مرتبة الإنسان كان اللوم المتوجه إليه بسبب المخالفة أكبر؛ ولهذا قال الله تعالى: يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ [سورة الأحزاب:32]، وكان مما ذكر منزلتهن وشرفهن على سائر النساء، فقال ضمن ذلك: مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ [سورة الأحزاب:30]، وقال أيضاً في الثواب: وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ [سورة الأحزاب:31]، فكان العذاب مضاعفاً لها لمنزلتها ورفعة درجتها، وقربها من رسول الله ﷺ، فإن تدنيس شرف رسول الله ﷺ ليس كتدنيس شرف غيره.