الخميس 03 / ذو القعدة / 1446 - 01 / مايو 2025
أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيْلِ وَقُرْءَانَ ٱلْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْءَانَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

أَقِمِ الصّلاَةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ إِلَىَ غَسَقِ الْلّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً ۝ وَمِنَ الْلّيْلِ فَتَهَجّدْ بِهِ نَافِلَةً لّكَ عَسَىَ أَن يَبْعَثَكَ رَبّكَ مَقَاماً مّحْمُوداً [سورة الإسراء:78-79].

يقول - تبارك وتعالى - لرسوله ﷺ آمراً له بإقامة الصلوات المكتوبات في أوقاتها: أَقِمِ الصّلاَةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ.

وقال هشيم عن مغيرة عن الشعبي عن ابن عباس - ا -: دلوكها زوالها، ورواه نافع عن ابن عمر - ا -، ورواه مالك في تفسيره عن الزهري عن ابن عمر، وقاله أبو برزة الأسلمي  ومجاهد، وبه قال الحسن والضحاك وأبو جعفر الباقر وقتادة، ومما استشهد عليه ما رواه ابن جرير عن جابر بن عبد الله - ا - قال: دعوت رسول الله ﷺ ومن شاء من أصحابه فطعموا عندي، ثم خرجوا حين زالت الشمس، فخرج النبي ﷺ فقال:  اخرج يا أبا بكر، فهذا حين دلكت الشمس [1]، فعلى هذا تكون هذه الآية دخل فيها أوقات الصلوات الخمس فمن قوله: لِدُلُوكِ الشّمْسِ إِلَىَ غَسَقِ الْلّيْلِ وهو ظلامه - وقيل غروب الشمس - أخذ منه الظهر والعصر والمغرب والعشاء.

وقوله:وَقُرْآنَ الْفَجْرِ يعني: صلاة الفجر، وقد ثبتت السنة عن رسول الله ﷺ تواتراً من أفعاله وأقواله بتفاصيل هذه الأوقات على ما عليه أهل الإسلام اليوم مما تلقوه خلفاً عن سلف، وقرناً بعد قرن، كما هو مقرر في مواضعه، ولله الحمد.

قوله تعالى:أَقِمِ الصّلاَةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ نقل بعض أهل العلم الإجماع على أن هذه الآية في مواقيت الصلاة المكتوبة، وقد مضى بعض الآيات التي تتعلق بهذا المعنى، والدلوك أصله الميل،أَقِمِ الصّلاَةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ أي: لميلها، والذي عليه عامة المفسرين كما نقله عن طائفة من السلف - وأرضاهم - أن الدلوك هو الزوال، وهذا الذي اختاره جمع من أهل اللغة كالأزهري، وكبير المفسرين ابن جرير، وغير هؤلاء كثير، هذا هو المشهور، والقول الآخر: أن الدلوك بمعنى الغروب، وهذا أيضاً قال به بعض أهل اللغة، قال به طائفة من السلف، إلا أن القول الأول أشهر، والحافظ ابن القيم - رحمه الله - جمع بين القولين فذهب إلى أن الدلوك يصدق على هذا وهذا، وأن ذلك من جهة الدلوك له مبدأ ومنتهى، فمبدؤه ميل الشمس عند الزوال، ومنتهاه الغروب، فيدخل بدلوك الشمس في قوله:أَقِمِ الصّلاَةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ - إذا مالت عن كبد السماء بعد الظهر - صلاة الظهر وصلاة العصر.

إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ أي: ظلامه، إذا أقبل الليل بظلامه فذاك غسقه، فيدخل فيه المغرب والعشاء، وَقُرْآنَ الْفَجْرِ صلاة الفجر هذا هو المشهور، - والله تعالى أعلم -، ومن أهل العلم من يقول: إن أصل كلمة "غسق" بمعنى السيلان، غسقتْ أي سالت، والمقصود بإقبال الليل ظلامه، ونحو هذا من العبارات التي يذكرها السلف ، قال: لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وهو ظلامه، وقيل: غروب الشمس، أخذ منه الظهر والعصر.. إلى آخره"، وقوله: وقيل: غروب الشمس، يحتمل أنه يقصد القول الثاني في المسألة، معنى دلوك الشمس، قيل: الزوال، وقيل: غروب الشمس، فيكون ذكر القولين، ويكون غروب الشمس تفسيراً لغسق الليل، هذا قال به بعضهم، ولا منافاة، فإن غروب الشمس يعني إقبال الليل، كما قال الله : وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ [سورة الفلق:3] الغاسق قيل: القمر إذا غاب، وقيل: إذا طلع، وبعضهم فسر الغاسق بالليل، وهذان القولان متلازمان، بمعنى أن القمر آية الليل، فإذا ظهر القمر فمعنى ذلك أن الظلام قد وُجد وأن الليل قد حل، غَسَقِ اللَّيْلِ أي: ظلامه، وقيل: غروب الشمس، فالقولان متلازمان، أخذ منه الظهر والعصر والمغرب والعشاء، يعني إلى هذا القدر، أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ، أربعة فروض.

وَقُرْآنَ الْفَجْرِ قال: يعني صلاة الفجر، وقد ثبت بالسنة عن النبي ﷺ ..إلى آخره.

وتسمية صلاة الفجر بقرآن الفجر هو تسمية للشيء بجزئه، وهذا يدل على أن القراءة في الصلاة مطلوبة، وأنها ركن فيها؛ لأن القاعدة أن الشيء لا يسمى بجزئه إلا إذا كان هذا الجزء لا ينفك، كما يقال عن الإنسان: إنه رقبة، ولا يقال عنه: إنه يد، فاليد من الممكن أن ُتقطع ويعيش الإنسان، لكن إذا قطعت الرقبة لا يعيش، فإنما يطلق على الشيء بجزء منه إذا كان هذا الجزء غير منفك، ومن هنا أُخذ استنباط أن القراءة في الصلاة ركن، ولا شك أن القدر الذي يصدق عليه هذا هو قراءة سورة الفاتحة، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها، وَقُرْآنَ الْفَجْرِ، وليس المقصود به القراءة خارج الصلاة أو في السنّة الراتبة، وإنما قرآن الفجر هو القراءة في صلاة الفجر.وقول الله -: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ فـ قُرْآنَ  منصوبة؛ لأنها معطوفة على الصلاة، أقم الصلاة وأقم قرآن الفجر، يكون هذا المعنى: أمر بإقامة الصلاة وإقامة قرآن الفجر، ويكون هذا تأكيداً له؛ لأنه داخل في عموم الصلاة، لكن الله ذكر في الأول الفروض الأربعة، من قوله: لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ثم قال: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ وصلاة الفجر، وبعضهم يقول: منصوب على الإغراء: وعليك قرآن الفجر.

 

إِنّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً عن ابن مسعود عن أبي هريرة - ا - عن النبي ﷺ في هذه الآية وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً قال:تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار[2]، وروى البخاري عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً[3].

وروى الإمام أحمد عن ابن مسعود وأبي هريرة - ا - عن النبي ﷺ في قوله: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً قال: تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار[4]، ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن صحيح، وفي لفظ في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وفي صلاة العصر، فيعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم - وهو أعلم بكم - كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون[5]، وقال عبد الله بن مسعود: يجتمع الحرسان في صلاة الفجر، فيصعد هؤلاء ويقيم هؤلاء، وكذا قال إبراهيم النخعي ومجاهد وقتادة وغير واحد في تفسير هذه الآية.

قوله: إِنّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، وهذا تدل عليه الأحاديث، والقول الآخر: أي يشهده الله - تبارك وتعالى - وتشهده ملائكته، هذا القول قد تدل عليه بعض الروايات الواردة في حديث النزول فإن في بعضها: حتى يضيء الفجر، وفي بعضها حتى يسطع، فحتى يضيء الفجر: إذا أضاء الفجر فهذا هو وقت الصلاة، وكان النبي ﷺ يصلي الصبح بغلس، وحينما ينصرف كان النساء لا يُعرفن من الغلس، من الظلام، وقد جاء في رواية عند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة في حديث النزول:ينزل الله إلى سماء الدنيا لنصف الليل الآخر أو الثلث الآخر يقول: من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ إلى أن قال: حتى يطلع الفجر أو ينصرف القارئ من صلاة الصبح[6]، وهذا الحديث صححه الشيخ الألباني - رحمه الله - في تعليقه على السنة لابن أبي عاصم، وقوله:أو ينصرف القارئ يحتمل أن الذي قال هذه الجملة:أو ينصرف النبي ﷺ، يعني بهذا السياق، ويحتمل أن يكون ذلك شكًّا من الراوي، فالحاصل أن مثل هذا الحديث يمكن أن يستدل به على هذا القول: يشهده الله والملائكة، فالله ينزل إلى سماء الدنيا فيقول: من يدعوني إلى آخره، حتى ينصرف القارئ من صلاة الصبح،... يكون هذا تفسيراً لقوله: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا، يشهده الله وملائكته، والأمر كما قال بعض أهل العلم: إنه لا منافاة بين القولين، يشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، ويشهده الله ، فأصحاب هذا القول ما نفوا القول الآخر بل أثبتوه وزادوا عليه، وهذا معنىً كبير ليس بالشيء السهل، فالله جعل هذه الشهود، وإلا فإن الله على كل شيء شهيد، مطلع على الخلق، سامعٌ لأقوالهم، مبصرٌ لجميع أعمالهم، وحركاتهم وسكناتهم، نافذ البصر فيهم، لكن هذا شهود خاص لصلاة الصبح.

  1. جامع البيان في تأويل القرآن، للإمام الطبري (17/518).
  2. رواه ابن ماجه، كتاب الصلاة، باب وقت صلاة الفجر، برقم (670)، والحاكم في المستدرك (1/330)، برقم (763)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وصححه الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح (635).
  3. رواه البخاري، كتاب التفسير، باب إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ، برقم (4440).
  4. رواه الترمذي، كتاب تفسير القرآن عن رسول الله ﷺ، باب ومن سورة بني إسرائيل، برقم (3135)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه، كتاب الصلاة، باب وقت صلاة الفجر، برقم (670)، والحاكم في المستدرك (1/330)، برقم (763)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ومسلم بلفظ قريب منه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها، برقم (649).
  5. رواه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة العصر، برقم (530)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاتي الصبح والعصر، برقم (632).
  6. رواه أحمد في المسند (16/320)، برقم (10544)، وقال محققوه: صحيح دون قوله: "أو ينصرف القارئ... إلخ"، وصححه الألباني في تحقيق ظلال الجنة برقم (498).