وقوله تعالى:أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ قال ابن عباس - ا - ومجاهد وقتادة: هو الذهب، وكذلك هو في قراءة ابن مسعود : أو يكون لك بيت من ذهب، أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء أي: تصعد في سلم ونحن ننظر إليك، وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قال مجاهد: أي مكتوب فيه إلى كل واحد واحد صحيفة: هذا كتاب من الله لفلان بن فلان، تصبح موضوعة عند رأسه.
وقوله تعالى:قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً: أي: وتقدس أن يتقدم أحد بين يديه في أمر من أمور سلطانه وملكوته، بل هو الفعال لما يشاء، إن شاء أجابكم إلى ما سألتم، وإن شاء لم يجبكم، وما أنا إلا رسول إليكم أبلغكم رسالات ربي، وأنصح لكم، وقد فعلت ذلك، وأمْركم فيما سألتم إلى الله .
فقوله - تبارك وتعالى -: وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا، حَتَّى تَفْجُرَ قرأه حمزة والكسائي وعاصم هكذا، وقرأه الباقون بالتشديدحَتَّى تُفَجِّرَ، وقوله أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً، تسقط السماء كِسَفاً، هكذا بفتح السين، قرأه جماعة كنافع وابن عامر وعاصم، وهو جمع كِسْفة، والكِسْفة هي القطعة من الشيء، يعني تسقط علينا السماء قطعاً، يعني أنهم يطلبون العذاب، أن يسقط الله ذلك عليهم، وقرأه غير هؤلاء الثلاثة بالإسكان كِسْفاً، وبعضهم فسر هذه القراءة كِسْفاً: أي قطعة، وكأنهم طلبوا أن يسقط السماء عليهم طبقاً واحداً، يطبق عليهم السماء، أو يسقط عليهم قطعة من السماء، لكن ابن جرير - رحمه الله - فسر قراءة الإسكان بغير ذلك، باعتبار أنها جمع كِسْفة، كِسْفاً جمع كِسْفة، واعتبر ذلك من قبيل جمع الكثرة في العدد، بخلاف كِسَفاً، فالكِسَف عند ابن جرير - رحمه الله - للقليل ما بين الثلاثة إلى العشرة، والكِسْف جمع الكثير كما تقول: تمر وتمرة، كِسْف وكِسْفة، ولذلك يختار هذه القراءة باعتبار أنها أدل على المعنى الذي قصدوه، وهو أنهم لم يطلبوا قطعاً محدودة من الثلاث إلى العشر تسقط عليهم من السماء، وإنما أرادوا أبلغ ما يكون من ذلك، وهذا يحصل بالكثرة، ومن فسر هذه القراءة كِسْفاً باعتبار أن الكِسْفة: هي القطعة من الشيء، بعضهم يقول كالزجّاج: من كسفت الشيء إذا غطيته، فسرها بهذا فكأنهم طلبوا أن السماء تقع عليهم فتغطيهم، يعني تسقط عليهم السماء طبقاً واحداً، وعلى كل حال هما قراءتان متواترتان، والله يقول في الآية الأخرى: إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِّنَ السَّمَاء [سورة سبأ: 9] وهذا يشهد للقراءة الأولى.
وقوله - تبارك وتعالى -: أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً، قبيلاً: فسره بعضهم بالمعاينة، نعاينهم، يقابلوننا أو نقابلهم معاينةً، فطلبوا رؤية الله والملائكة ليشهدوا بصحة ما جاء به، وأن الله أرسله، وهذا اختاره كبير المفسرين ابن جرير - رحمه الله -، وبعضهم فسر هذا بالكفيل، ونحن لا زلنا نعبر بهذا، يقول الواحد: أنا قبيل فلان، أنا قبيله، فلان قبيل فلان، أي المتكفل أو الكفيل، وبعضهم فسره بالشهيد، أي شهداء يشهدون أنك قد أرسلت من قبل الله - تبارك وتعالى -، وتفسيره بالكفيل قال به طائفة من السلف، واختاره من المعاصرين الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله -، والآية تحتمل هذا وهذا، هم لشدة مكابرتهم طلبوا أن يشهد على ما قاله النبيﷺ اللهُ والملائكةُ، وهؤلاء الذين فسروه بالشهيد قولهم يتضمن القول الأول، طلبوا أن يحضر لهم ربهم - تبارك وتعالى - والملائكة ليروهم من أجل أن يشهدوا له، فلماذا يريدونهم أن يأتوا؟، هل لمجرد رؤيتهم فقط؟ بل من أجل أن يشهدوا، وهذا من شدة مكابرتهم وعنادهم، أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ يعني: الذهب، وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ [سورة الزخرف:33] دُرُج، وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ وَزُخْرُفًا [سورة الزخرف:34-35] أي ذهباً، والقراءة التي ذكرها قراءة شاذة، ولكنها تفسر هذه القراءة المتواترة، فالزخرف يقال للذهب، كما أنه يقال للزينة، وذاك إطلاق عربي صحيح، فهو وإن فسره به بعض المفسرين هنا، لكن الكفار لم يطلبوا أن يكون له بيت من زينة، وإنما طلبوا أن يكون هذا البيت من الذهب؛ تعجيزاً.
أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ وقد فسرها بعض أهل العلم بأنهم قصدوا أن ينزِّل على كل واحد منهم كتاباً، كما قال الله : بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفًا مُّنَشَّرَةً[سورة المدثر: 52].