هذا مأخوذ من الروايات الإسرائيلية أيضاً، فلا يعتمد عليه، وبعضهم يذكر أيضاً أخباراً أخرى مشابهة لهذا.
يقول: إن هؤلاء قاموا فتكلموا بذلك لما اجتمعوا، وعرض بعضهم على بعض ما وقع في نفسه، مما يعاب من دين قومه، فلما اتفقوا في هذا النظر وهذه النتيجة التي توصلوا إليها، وهداهم الله لها قاموا جميعاً، فقالوا: رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [سورة الكهف:14]، والله تعالى أعلم.
وبعضهم يقول: قاموا فقالوا ذلك بين يدي الملك، وأن الملك لما علم بهم دعاهم قبل ذهابهم إلى الكهف، ثم أمهلهم من أجل أن يرجعوا، فيقال: إنهم قاموا بين يديه، وقالوا: رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [سورة الكهف:14] لما سألهم عما بلغه عنهم، فأقروا بذلك، وأعلنوه، فأمهلهم مدة من أجل أن يراجعوا أنفسهم في هذا، فلجئوا إلى الكهف، وحصل ما حصل، هكذا قال بعضهم، وكل هذا مما أخذ عن بني إسرائيل.
وتفسير إِذْ قَامُوا فَقَالُوا [سورة الكهف:14] بمثل هذا ليس بلازم، فذكْر القيام لا يشترط فيه الوقوف، وإنما قد يكون المقصود به النهوض بأمر من الأمور إِذْ قَامُوا فَقَالُوا [سورة الكهف:14] فإن التعبير بالقيام لا يستلزم الوقوف، وكذلك التعبير بالقول لربما يعبر بالقول عن الفعل، وبالفعل عن القول، تقول: قال بيده هكذا، يعني حركها، تقول: قال بيده، فهذا فعل، وكذلك إذ قاموا فالقيام فعل إِذْ قَامُوا فَقَالُوا [سورة الكهف:14] فليس المقصود القيام على القدمين، وإنما أنهم انبروا لهذا، ونهضوا به، فاعتقادهم لذلك، وإقرارهم بهذه القضية ونحو ذلك هو قيام منهم، تقول: فلان قام بالأمر، وقام بالدعوة، وقام بأمر الله القائم على حدود الله[1]ليس معناه الواقف حقيقة على قدميه.
الجنسية علة الضم المقصود به: أن التجانس والتشاكل هو علة للاجتماع والتآلف، فإذا رأيت اثنين بينهما تآلف فهذا يعني أنه يوجد أمر مشترك، وحتى إنه يذكر في هذا أن حمامة وغراباً وجدا معاً، فنظر فإذا بالحمامة فيها عرج، كما أن الغراب فيه عرج خلقة، الغراب إذا مشى على رجليه فيه عرج، فقيل: هذا هو الجامع المشترك.
وتجد الناس الذين يلتئمون على بعضهم يوجد بينهم شيء مشترك، إما اشتغال بصنعة، أو تجارة، أو نجوى، أو أنه يوجد بينهم قرابة، أو أنهم من أهل بلد معين؛ ولهذا سبق في الاقتضاء - اقتضاء الصراط المستقيم - كلام شيخ الإسلام: أن الواحد إذا خرج من بلده إلى مكان غربة وسافر، فوجد أحداً من أهل بلده أنه يكون بينهم من المؤاخاة وقوة الصلة والمصافاة ما لا يقادر قدره، بينما هو في بلده حينما يراه ويرى أمثاله لربما لا يسلم عليه، فإذا رآه في مكان الغربة حصل له ميل إليه ومؤاخاة، فالجنسية علة الضم والتجانس.
والغرض أنه جعل كل أحد منهم يكتم ما هو فيه عن أصحابه، خوفًا منهم، ولا يدري أنهم مثله، حتى قال أحدهم: تعلمون والله يا قوم إنه ما أخرجكم من قومكم وأفردكم عنهم إلا شيء فليظهر كل واحد منكم بأمره. فقال آخر: أما أنا فإني والله رأيت ما قومي عليه، فعرفت أنه باطل، وإنما الذي يستحق أن يعبد وحده ولا يُشرَك به شيء هو الله الذي خلق كل شيء، السموات والأرض وما بينهما.
وقال الآخر: وأنا والله وقع لي كذلك، وقال الآخر كذلك، حتى توافقوا كلهم على كلمة واحدة، فصاروا يدًا واحدة وإخوان صدق، فاتخذوا لهم معبدًا يعبدون الله فيه، فعرف بهم قومهم، فوشوا بأمرهم إلى ملكهم، فاستحضرهم بين يديه فسألهم عن أمرهم وما هم عليه فأجابوه بالحق، ودعوه إلى الله ؛ ولهذا أخبر تعالى عنهم بقوله: وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا [سورة الكهف:14]، ولن: لنفي التأبيد، أي: لا يقع منا هذا أبدًا؛ لأنا لو فعلنا ذلك لكان باطلا؛ ولهذا قال عنهم: لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا [سورة الكهف:14]، أي: باطِلاً وكذبًا وبهتانًا.
- أخرجه البخاري في كتاب الشركة، باب: هل يقرع في القسمة، والاستهام فيه (3/ 139- 2493).
- أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء، باب الأرواح جنود مجندة (4/ 133-3336).
- أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب الأرواح جنود مجندة (4/ 2031- 159) (2638).