الخميس 03 / ذو القعدة / 1446 - 01 / مايو 2025
كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ ءَاتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْـًٔا ۚ وَفَجَّرْنَا خِلَٰلَهُمَا نَهَرًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا ۝ كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا ۝ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا ۝ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا ۝ وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا [سورة الكهف:32-36].

يقول الله تعالى بعد ذكره المشركين المستكبرين عن مجالسة الضعفاء والمساكين من المسلمين، وافتخروا عليهم بالأموال وأحسابهم، فضرب لهم مثلاً برجلين جعل الله لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ [سورة الكهف:32].

الذي يذكره ابن كثير - رحمه الله - هنا هو ما يعرف بالمناسبة، يعني ما المناسبة بين ذكر خبر هذين الرجلين أصحاب الجنتين وبين ما قبلهم؟ فهو يقول: هؤلاء لمّا ترفعوا عن مجالسة الضعفاء والمساكين ذكر الله لهم مثلاً من حال المترفعين، وما كان إليه مآلهم.

وافتخروا عليهم بالأموال وأحسابهم، فضرب لهم مثلاً برجلين جعل الله لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ [سورة الكهف:32] أي: بستانين من أعناب، محفوفتيْن بالنخل المحدقة في جنباتهما، وفي خلالهما الزروع، وكل من الأشجار والزروع مثمر مُقبلٌ في غاية الجود؛ ولهذا قال: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا [سورة الكهف:33] أي: خرجت ثمرها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا [سورة الكهف:33] أي: ولم تنقص منه شيئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا [سورة الكهف:33] أي: والأنهار متفرقة فيهما هاهنا وهاهنا.

وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ [سورة الكهف:34] قيل: المراد به: المال، رُوي عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة. وقيل: الثمار، وهو أظهر هاهنا، ويؤيده القراءة الأخرى: "وكان له ثُمْر" بضم الثاء وتسكين الميم، فيكون جمع ثَمَرَة، كَخَشَبَة وخُشْب، وقرأ آخرون: ثَمَرٌ بفتح الثاء والميم.

الذين قالوا: إن المقصود به المال - بعضهم قال: ذهب وفضة - الذي حملهم على هذا هو أن الله قال قبله: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا [سورة الكهف:33] يعني: ثمرها، فكيف قال بعده وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ [سورة الكهف:34]؟

ففهموا منه أن هذا يفيد معنىً جديداً، وهو أن هذا الثمر شيء زائد على ما آتته تلك الجنة وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ يعني: كان له مال، هكذا قال بعض السلف، والأقرب - والله أعلم - هو ما ذكره ابن كثير، وهو ما اختاره ابن جرير أيضاً بأن معنى: وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ [سورة الكهف:34] يعني: من الثمار المعروفة كان له ثمر، فحمله ذلك على شيء من البطر والطغيان والغرور.

فقال - أي صاحب هاتين الجنتين - لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ [سورة الكهف:34] أي: يجادله ويخاصمه، يفتخر عليه ويترأس: أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا [سورة الكهف:34] أي: أكثر خدمًا وحشمًا وولدًا.

قال قتادة: تلك - والله - أمنية الفاجر: كثرة المال، وعزة النفر.

قوله: أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا [سورة الكهف:34] قال: أي خدماً وحشماً وولداً، والنفر: يقول أهل اللغة: إن المراد بهم الرهط، وهو ما دون العشرة.

وقوله: وأَعَزُّ نَفَرًا يدل على أن الإنسان يتكثر بما عنده من الأولاد والمماليك والخدم.