وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا [سورة الكهف:32-36].
يقول الله تعالى بعد ذكره المشركين المستكبرين عن مجالسة الضعفاء والمساكين من المسلمين، وافتخروا عليهم بالأموال وأحسابهم، فضرب لهم مثلاً برجلين جعل الله لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ [سورة الكهف:32].
الذي يذكره ابن كثير - رحمه الله - هنا هو ما يعرف بالمناسبة، يعني ما المناسبة بين ذكر خبر هذين الرجلين أصحاب الجنتين وبين ما قبلهم؟ فهو يقول: هؤلاء لمّا ترفعوا عن مجالسة الضعفاء والمساكين ذكر الله لهم مثلاً من حال المترفعين، وما كان إليه مآلهم.
وافتخروا عليهم بالأموال وأحسابهم، فضرب لهم مثلاً برجلين جعل الله لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ [سورة الكهف:32] أي: بستانين من أعناب، محفوفتيْن بالنخل المحدقة في جنباتهما، وفي خلالهما الزروع، وكل من الأشجار والزروع مثمر مُقبلٌ في غاية الجود؛ ولهذا قال: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا [سورة الكهف:33] أي: خرجت ثمرها وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا [سورة الكهف:33] أي: ولم تنقص منه شيئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا [سورة الكهف:33] أي: والأنهار متفرقة فيهما هاهنا وهاهنا.
الذين قالوا: إن المقصود به المال - بعضهم قال: ذهب وفضة - الذي حملهم على هذا هو أن الله قال قبله: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا [سورة الكهف:33] يعني: ثمرها، فكيف قال بعده وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ [سورة الكهف:34]؟
ففهموا منه أن هذا يفيد معنىً جديداً، وهو أن هذا الثمر شيء زائد على ما آتته تلك الجنة وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ يعني: كان له مال، هكذا قال بعض السلف، والأقرب - والله أعلم - هو ما ذكره ابن كثير، وهو ما اختاره ابن جرير أيضاً بأن معنى: وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ [سورة الكهف:34] يعني: من الثمار المعروفة كان له ثمر، فحمله ذلك على شيء من البطر والطغيان والغرور.
فقال - أي صاحب هاتين الجنتين - لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ [سورة الكهف:34] أي: يجادله ويخاصمه، يفتخر عليه ويترأس: أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا [سورة الكهف:34] أي: أكثر خدمًا وحشمًا وولدًا.
قال قتادة: تلك - والله - أمنية الفاجر: كثرة المال، وعزة النفر.
قوله: أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا [سورة الكهف:34] قال: أي خدماً وحشماً وولداً، والنفر: يقول أهل اللغة: إن المراد بهم الرهط، وهو ما دون العشرة.
وقوله: وأَعَزُّ نَفَرًا يدل على أن الإنسان يتكثر بما عنده من الأولاد والمماليك والخدم.