الإثنين 29 / شوّال / 1446 - 28 / أبريل 2025
وَلَمْ تَكُن لَّهُۥ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا ۝ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا ۝ هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا [سورة الكهف:42-44].

يقول تعالى: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ بأمواله، أو بثماره على القول الآخر، والمقصود أنه وقع بهذا الكافر ما كان يحذر، مما خَوَّفه به المؤمن من إرسال الحسبان على جنته، التي اغتر بها وألهته عن الله : فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وقال قتادة: يُصفّق كفيه متأسفًا متلهفًا على الأموال التي أذهبها عليه وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ أي: عشيرة أو ولد، كما افتخر بهم واستعز يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا ۝ هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ اختلف القراء هاهنا، فمنهم من يقف على قوله: وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا هُنَالِكَ أي: في ذلك الموطن الذي حل به عذاب الله، فلا منقذ منه، ويبتدئ بقوله: الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ومنهم من يقف على: وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا ويبتدئ بقوله: هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ.

ثم اختلفوا في قراءة الْوَلايَةُ فمنهم من فتح الواو، فيكون المعنى: هنالك الموالاة لله، أي: هنالك كل أحد من مؤمن أو كافر يرجع إلى الله وإلى موالاته والخضوع له إذا وقع العذاب، كقوله: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ [سورة غافر:84]، وكقوله إخبارًا عن فرعون: حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ۝ آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [سورة يونس:90-91].

ومنهم من كسر الواو من الْوَلايَةُ أي: هنالك الحكم لله الحق.

ثم منهم من رفع الْحَقِّ على أنه نعت للولاية، كقوله تعالى: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا [سورة الفرقان:26].

ومنهم من خفض القاف، على أنه نعت لله ، كقوله: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ الآية [سورة الأنعام:62]؛ ولهذا قال تعالى: هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا أي: جزاء وَخَيْرٌ عُقْبًا أي: الأعمال التي تكون لله ، ثوابها خير، وعاقبتها حميدة رشيدة، كلها خير.

قال: وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا يعني: قد سقطت الأشياء التي تحتاج إلى أن تكون معروشة مثل الأعناب مثلاً، تكون خاوية ساقطة على عروشها، ويُعبَّر بذلك بشيء من التوسع عن الخراب والهلاك والدمار، فتقول عن البلاد التي قد خربت، أو المحال التي قد اضمحلت: وجدتها خاوية على عروشها، ليس بها ما ينتفع به، ولا تصلح محلاً للإقامة أو السكنى، وإنما صارت خراباً يباباً، خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا.

ويقول: هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا، اختلاف القراء في موضع الوقف هو باعتبار المعنى، يعني في كثير من المواضع التي يحدد القراء فيها الوقف هو بناء على ما يلوح من المعنى، ولكن هذا قد يتأتى على معنى وقد تحتمل الآية معنى آخر، ولذلك تجدون بعض المصاحف تختلف في مواضع الوقف، وربما تجد الوقف في موضع قد لا يكون مناسباً، أو يحتمل على الأقل أن يكون في موضع آخر، كقوله تعالى مثلاً: يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء [سورة الأحزاب:32]، موضع الوقف هنا في الطبعة المنتشرة عندنا، ثم قال: إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ، ويحتمل أن يكون لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ، فالتفضيل باعتبار التقوى، بشرط التقوى ليس لمجرد القرابة من رسول الله ﷺ، ثم قال بعده: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ، وهذا هو الأقرب - والله تعالى أعلم -، وقل مثل ذلك في قوله مثلاً: الم ۝ ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ [سورة البقرة:1-2]، ويمكن أن يقال: ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ ثم تقف بعد "فيه"، ثم تقول: هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ، وهذا الذي عليه علامة الوقف في المصاحف التي بين أيدينا، وهذا أبلغ؛ لأنه بهذا الاعتبار يكون كل القرآن هدىً للمتقين، وعلى الموضع الثاني في الوقف ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ، فالمعنى يتغير، ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ هذا الكتاب الذي أنزله الله واحتوى على ألوان الهدايات بلا مرية ولا ارتياب، ثم قال: فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ يتضمن الهدى للمتقين، وإذا وقفت على الموضع الآخر ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ، وجعلت الوقف هنا فيكون نفيت عنه الريب، ثم تقول: هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ، كله هدى للمتقين، وهذا أبلغ، وقل مثل ذلك مثلاً في قوله: مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ إلى أن قال: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ، فالوقف هنا يصح، وهو الذي عليه علامة الوقف في المصاحف التي بين أيدينا، ويمكن أن تصل وتقول: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ، ويكون المعنى صحيحاً، وقل مثل ذلك في أول هذه السورة الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا [سورة الكهف:1]، وهنا كذلك قال: وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا ۝ هُنَالِكَ في ذلك المقام، لما نزل العذاب لم يستطع الخلاص لما نزل به، ويمكن أن يكون وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا ثم قال: هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ وهذا هو المتبادر، وهو الأصل باعتبار رءوس الآي، ثم قال: هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ في ذلك المقام تكون الولاية لله الحق، عند ذلك يلجأ المجرم والمتمرد على الله  إلى الضراعة والإخبات، وأعظم هؤلاء فرعون قال: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ [سورة يونس:90].

والمعنى الثاني: هنالك الوِلايةُ على القراءة الأخرى الوِلاية السلطان، {للهِ الحقِّ} ، أو هنالك الوِلايةُ لله الحقُّ يعني: السلطان الحق والثابت الذي لا يزول، ويضمحل دونه كل سلطان.