الخميس 17 / ذو القعدة / 1446 - 15 / مايو 2025
قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا ۝ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا ۝ قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا [سورة الكهف:74-76] يقول تعالى: فَانطَلَقَا أي: بعد ذلك حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ [سورة الكهف:74] وقد تقدم أنه كان يلعب مع الغلمان في قرية من القرى، وأنه عمد إليه من بينهم، وكان أحسنهم وأجملهم وأوضأهم فقتله، فلما شاهد موسى هذا أنكره أشد من الأول، وبادر فقال: أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً [سورة الكهف:74] أي: صغيرة لم تعمل الحنث، ولا عملت إثماً بعد فقتلته بِغَيْرِ نَفْسٍ [سورة الكهف:74] أي: بغير مستند لقتله لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا [سورة الكهف:74] أي: ظاهر النكارة.

قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا [سورة الكهف:75] فأكد أيضاً في التذكار بالشرط الأول، فلهذا قال له موسى: إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا [سورة الكهف:76] أي: إن اعترضت عليك بشيء بعد هذه المرة فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا [سورة الكهف:76] أي: أعذرتَ إليّ مرة بعد مرة، روى ابن جرير عن ابن عباس عن أبيّ بن كعب - ا - قال: كان النبي ﷺ إذا ذكر أحداً فدعا له بدأ بنفسه، فقال ذات يوم: رحمة الله علينا وعلى موسى، لو لبث مع صاحبه لأبصر العجب، ولكنه قال: إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا[1].

قوله - تبارك وتعالى -: فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ [سورة الكهف:74] في قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو زاكية بعضهم يفرق بين الزكية وبين الزاكية، فيقول: الزاكية هي التي لم تذنب، النفس الطاهرة التي على الفطرة، والزكية هي التي أذنبت ثم تابت، وبعضهم يقول: القراءتان بمعنى واحد، يقال: زكية وزاكية.

وقد قال بعض أهل العلم في الغلام الذي قتله الخضر - رحمه الله -: إنه كبير وقيل له غلام، والعرب قد تقول ذلك للكبير، وهذا فيه إشكال، فلا فرق عنده بين زكية وزاكية؛ لأن هذا قد أذنب، ومن يقول: إنه غلام صغير فقد يفرق بين الزكية والزاكية، ومرجع ذلك إلى لغة العرب.

وقال له: لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا [سورة الكهف:74] يعني: أنه قال له قولاً أشد من الأول، وكما سبق أنّ قوله: إِمْرًا [سورة الكهف:71] في خرق السفينة أخف من قوله: نُّكْرًا وقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى - تعليقاً على قوله: قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا [سورة الكهف:72] قال: فأكد أيضاً في التذكار، يقصد أنه قال له: أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ [سورة الكهف:75] وفي خرق السفينة قال: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ [سورة الكهف:72] وذكرنا بالأمس أن زيادة المبنى لزيادة المعنى.

وقوله: كان النبي ﷺ إذا ذكر أحداً فدعا له بدأ بنفسه، يعني: يبدأ بالدعاء لنفسه، إذا قال: رحم الله فلاناً، يقول: رحمنا الله وفلاناً، يبدأ بالدعاء لنفسه رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا [سورة نوح:28] هذا هو المراد.

قال: فقال ذات اليوم: رحمة الله علينا، وعلى موسى يعني: القضية الأولى منفصلة عن القضية الثانية.

  1. أخرجه النسائي في السنن الكبرى، في كتاب التفسير، قوله تعالى: إن سألتك عن شيء بعدها  [الكهف: 76] (10/ 165- 11248).