وقوله: كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ يعني: أنه مطلع على أحواله، وأحوال جيشه وما إلى ذلك، وبعض أهل العلم كابن جرير يقول: كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ يعني بما هنالك مما وصل إليه من مطلع الشمس، من أحول تلك الناحية، أولئك القوم، بما عنده مطلع الشمس، يعني لا يخفى علينا مما هنالك من الخلق وأحوالهم، يعني لمّا وصل إلى مطلع الشمس وجد عندها قوماً لم يجعل الله ما يكنّهم ويسترهم، فالله - تبارك وتعالى - يقول: كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا، يعني أحطنا بما هنالك بما لديه مما وصل إليه من هؤلاء الناس ومحالهم أن الله أحاط بهم، ولا يخفى عليه من خلقه خافية، والآية إذا كانت تحتمل معنيين أو أكثر ولا يوجد ما يمنع من حمل الآية على هذه المعاني فيمكن أن تحمل الآية عليها جميعاً، أحاط بما لديه: بما عنده، بأحواله كلها، وبأحوال الخلق جميعاً، وأولئك الذين وصل إليهم، تلك المحال البعيدة الله - تبارك وتعالى - عالم بهم، وهو الذي أحاط علمه بكل شيء، وجائز أن يكون لما أعطاه الله من كل شيء سبباً، هذه القُدر والإمكانات أن يكون حينما وصل إلى أقصى الغرب أنه طاف في الأرض من الناحية الثانية حتى وصل إلى المشرق، وجائز أن يكون قد رجع حتى وصل إلى مشرقها، فإن الله أخبر أنه قد أعطاه من كل شيء سبباً، يحتمل هذا، والعلم عند الله ، ولا يوجد ما يمنع من ذلك، إذا كان أعطاه الله من كل شيء سبباً فهو عنده معرفة بالطرق، وعنده من الإمكانات ما يوصله إلى مطلوبه، ونحن لا نقيس الناس على ما نتصور أو نتخيل قبل ثلاثمائة سنة، أو أربعمائة سنة، أو خمسمائة سنة من مراكب الناس البسيطة وإمكاناتهم وعلومهم، وأنهم لم يكتشفوا كذا إلا سنة كذا، هذا الكلام فيه نظر، يعني الأهرام التي تحير فيها العلماء، وكثير منهم يقول: إنها كانت قبل الطوفان؛ لأنها لو كانت بعد الطوفان لكان عندنا من الخبر بمن بناها، تواتر ذلك وعرف، فالشاهد أنها بهذه الطريقة إلى الآن والناس يتحيرون بها، ويعجبون منها، ومما فيها ومن طريقة بنائها، يعني ممكن أن تبنى هذه بدون معرفة وبدون آلات، وإذا نظرت إلى آثار الممالك المشيدة وما وصف من أرض عاد التي قال الله فيها: الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ [سورة الفجر:8]، حتى قال بعض المفسرين: بنوا مدينة لبنة من ذهب ولبنة من فضة ونحو ذلك، قد لا يكون هذا كذلك، لكن الله حينما وصفها بهذه الصفة الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ، وبقايا وآثار وأشياء لا زال بعضها إلى اليوم، آبار قريبة من أطراف الجزيرة العربية، آبار منحوتة نحتاً دقيقاً في مناطق صخرية عميقة في غاية العمق، حتى إن بعضهم يقول: إن هذا مما حفرته الجن لسليمان ، فالله أعلم، فالشاهد هناك إمكانات وأشياء، ديار ثمود انظر إلى الآن بقية تلك الديار، كيف نقروا الجبال ونحتوها، ولم يكتفوا بهذا بل زينوها غاية التزيين، وجعلوا عليها من الصور والرسوم والملاسة وما أشبه ذلك حتى صارت كأنها مصنوعة إلى اليوم باقية إلى هذا العصر، والناس لا يفعلون هذا في عصرنا هذا، لا يفعلون في بيوت كل واحد منهم، فمعنى هذا أن عندهم إمكانات قوية، يعني قد يفعل هذا في مكان، يفعله واحد ملِك لأمر من الأمور، لكن بيت كل واحد بهذه الطريقة، وبهذا النقش، والناس يطيقون؟ لا يطيقون هذا.