الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ ٱلسَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقال صاحب المصباح المنير في تفسير قوله تعالى:  ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا ۝ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا ۝ قَالُواْ يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىَ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً ۝ قَالَ مَا مَكّنّي فِيهِ رَبّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً ۝ آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا [سورة الكهف:92-96] يقول تعالى مخبراً عن ذي القرنين: ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا [سورة الكهف:92] أي: ثم سلك طريقاً من مشارق الأرض حتى إذا بلغ بين السدين، وهما جبلان متناوحان، بينهما ثغرة، يخرج منها يأجوج ومأجوج، على بلاد الترك، فيعيثون فيها فساداً، ويهلكون الحرث والنسل، ويأجوج ومأجوج من سلالة آدم كما ثبت في الصحيحين: إن الله تعالى يقول: يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك، فيقول: ابعث بعث النار، فيقول: وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار، وواحد إلى الجنة، فحينئذٍ يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها، فقال: إن فيكم أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج[1].

فقوله - تبارك وتعالى -: حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا [سورة الكهف:93] يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: "حتى إذا بلغ بين السدين، وهما جبلان متناوحان". متناوحان: أي متقابلان.

وقوله - تبارك وتعالى -: حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ [سورة الكهف:93] قرأه ابن كثير وأبو عمرو وحفص بالفتح بَيْنَ السَّدَّيْنِ [سورة الكهف:93] وقرأه الباقون بالضم السُّدين وبعض أهل العلم كابن جرير - رحمه الله - يقول بأن القراءتين بمعنى واحد، وأن السَّدين والسُّدين كليْهما بمعنى واحد، فهما لغتان، وكثير من أهل العلم يفرقون بينهما، فبعضهم يقول: الفرق أن كل ما كان حجزاً بينك وبين غيرك فهو سَد، وما كان متراكماً، أي: أن بعضه على بعض فهو ردم، كما سيأتي في قوله: رَدْمًا [سورة الكهف:95]، وبعض أهل العلم يقول: كل ما كان أمامك يحجز ما بعده عما قبله فإنه بالضم، يقال له: سُد، ويثنّى على السُّدين، وبعضهم يقول: ما رأته العيون - بمعنى أنه شيء حسي - فهو بالضم، وما كان معنوياً - كالذي يكون على الأبصار كالغشاوة - فإنه يكون بالفتح أو العكس، وبعضهم يقول بأن الذي يكون بخلق الله خلقة كالحاجز من جبل ونحو ذلك فهو بالضم، سُد أي مسدود، وما كان من فعل الإنسان فهو بالفتح، والله تعالى أعلم.

على كل حال ابن جرير - رحمه الله - يقول: هما لغتان، والذين ذكروا هذه الفروقات هم من أئمة اللغة.

وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا [سورة الكهف:93] أي: لاستعجام كلامهم، وبعدهم عن الناس.

في قوله: وَجَدَ مِن دُونِهِمَا [سورة الكهف:93] بعضهم يفسره أي: من ورائهما، وبعضهم يقول: أي أمامهما، وقوله: لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا [سورة الكهف:93] قرأه بعض السبعة كحمزة والكسائي: يُفقِهون، أي: يُفهِمون، من أفقهَ إذا أبان عما في نفسه، لا يكاد يُفقه، يعني: لا يكاد يُبين لعجمته، لا يُفهم قولهم وكلامهم، وقرأه الباقون: لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ [سورة الكهف:93] أي: لا يكادون يفهمون.

وكما سبق في القراءات أنها إذا تعددت وعادت إلى ذات واحدة فإن ذلك من تعدد الأوصاف لهذه الذات، فهؤلاء دلت القراءة الأولى يُفقهون على أنهم لا يُبينون، ودلت القراءة الثانية يَفقهون على أنهم لا يفهمون، وهذا لاستعجام كلامهم، فالسامع لا يكاد يفهم، وهم أيضاً كذلك.

  1. أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب وترى الناس سكارى [الحج: 2] (6/97- 4741) وفي غيره من الأبواب، ومسلم في كتاب الإيمان، باب قوله: يقول الله لآدم: أخرج بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين (1/ 201 – 379) (222).