الأربعاء 16 / ذو القعدة / 1446 - 14 / مايو 2025
أُو۟لَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّۦنَ مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْرَٰٓءِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَٱجْتَبَيْنَآ ۚ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُ ٱلرَّحْمَٰنِ خَرُّوا۟ سُجَّدًا وَبُكِيًّا ۩

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا [سورة مريم:58] يقول تعالى: هؤلاء النبيون - وليس المراد المذكورين في هذه السورة، فقط بل جنس الأنبياء - عليهم السلام -، استطرد من ذكر الأشخاص إلى الجنس الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ الآية.

قال السدي وابن جرير - رحمه الله -، فالذي عنى به من ذرية آدم: إدريس، والذي عنى به من ذرية من حملنا مع نوح: إبراهيم، والذي عنى به من ذرية إبراهيم: إسحاق، ويعقوب، وإسماعيل، والذي عنى به من ذرية إسرائيل: موسى، وهارون، وزكريا، ويحيى، وعيسى ابن مريم، قال ابن جرير: "ولذلك فرق أنسابهم وإن كان يجمع جميعهم آدم، لأن فيهم من ليس من ولد من كان مع نوح في السفينة، وهو إدريس فإنه جد نوح"".

هذا الذي ذكره قال به جماعة من أهل العلم، وهو تقسيم حسن يعني أن الله - تبارك وتعالى - يقول: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا، فالأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - ليسوا جمعياً من ذرية نوح، فآدم - عليه الصلاة والسلام - نبي، وليس من ذرية نوح قطعاً، وإذا قيل بأن إدريس كان قبل نوح - عليهما الصلاة والسلام - فليس من ذرية نوح، وهكذا هود وصالح - عليهما الصلاة والسلام - ليسا من ذرية إبراهيم، فهذا التقسيم بهذه الطريقة يشمل الأنبياء، فيكون هؤلاء قُسِّموا بهذا الاعتبار فقوله: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ يكون إدريس بهذا الاعتبار مذكوراً إذا قلنا أنه قبل نوح.

بعد ذلك، قال: وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ، الله جعل ذرية نوح هم الذين تناسل الناس منهم، وبقوا، وإلا فإن غيره ممن ركب معه على خلاف في من ركب، وعدد من ركب؛ انقرض نسلهم، فأولاد نوح - عليه الصلاة والسلام - هم الذين وجد منهم العالم بعد ذلك.

قال أن من نسل نوح إبراهيم - عليهم الصلاة والسلام -، والذي عني به من ذرية إبراهيم: إسحاق، ويعقوب، وإسماعيل، والذي عنى به من ذرية إسرائيل: موسى، وهارون، وزكريا، ويحيى إلى آخره؛ هذا التقسيم جيد.

"قلت: هذا هو الأظهر أن إدريس في عمود نسب نوح - عليهما السلام -".

وهذا ليس محل اتفاق - كما ذكرت - أن إدريس - عليه الصلاة والسلام - قبل نوح، وكثير من المؤرخين يقولون بأن الأهرام الذي بناها إدريس - عليه الصلاة والسلام -، وأنه كان قبل نوح، وأنها كانت قبل الطوفان، وأنه لو كانت بعد الطوفان لعرف خبرها، وتاريخها، والتفاصيل المتعلقة بها، فلما لم يوقف على ذلك قالوا بأنها كانت قبل الطوفان، وهم لا يعرفون التاريخ قبل الطوفان؛ هكذا قال كثير منهم، ومن شاء فليراجع في هذا أمثال كتاب السيوطي: حسن المحاضرة، وكذلك في مثل كتاب الخطط المقريزي.

"ومما يؤيد أن المراد بهذه الآية جنس الأنبياء أنها كقوله تعالى في سورة الأنعام: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ۝ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ۝ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ ۝ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ ۝ وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [سورة الأنعام:83-87] إلى قوله: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [سورة الأنعام:90] وقال : مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ [سورة غافر:78]، وفي صحيح البخاري عن مجاهد أنه سأل ابن عباس - ا -: أفي ص سجدة؟ فقال: نعم، ثم تلا هذه الآية: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ فنبيكم ممن أمر أن يقتدي بهم، قال: وهو منهم[1] يعني داود.

وقال الله - تعالى - في هذه الآية الكريمة: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً أي إذا سمعوا كلام الله المتضمن حججه، ودلائله، وبراهينه؛سجدوا لربهم خضوعاً، واستكانة، وحمداً، وشكراً على ما هم فيه من النعم العظيمة، والبكي جمع باك، فلهذا أجمع العلماء على شرعية السجود هاهنا اقتداء بهم، واتباعاً لمنوالهم".

قوله - تبارك وتعالى -: خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاًْ يقول: البكي جمع باكٍ، وبعض أهل العلم - كالخليل بن أحمد - فرق بين البكا من غير همز والبكاء مع الهمز، وقال: البكا لا يكون بالصوت، فيكون من قبيل الغم، والحزن، وأما البكاء فهو البكاء المعروف، يكون بصوت - والله أعلم -، وكثير من أهل اللغة، والمفسرين؛ يقولون: البكا والبكاء واحد.

  1. رواه البخاري كتاب التفسير، سورة الأنعام (4/1695) برقم: (4356)