الأحد 21 / ربيع الأوّل / 1447 - 14 / سبتمبر 2025
وَنَرِثُهُۥ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"أَطّلَعَ الْغَيْبَ إنكار على هذا القائل: لاُوتَيَنّ مَالاً وَوَلَداً يعني يوم القيامة أي: أعلم ما له في الآخرة حتى تألَّى وحلف على ذلك أَمِ اتّخَذَ عِندَ الرّحْمَنِ عَهْداً أم له عند الله عهد سيؤتيه ذلك، وقد تقدم عند البخاري أنه الموثق.

وقوله: كَلاّ هي حرف ردع لما قبلها، وتأكيد لما بعدها سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ أي: من طلبه ذلك، وحكمه لنفسه بما يتمناه، وكفره بالله العظيم وَنَمُدّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً أي: في الدار الآخرة على قوله ذلك، وكفره بالله في الدنيا، وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ أي: من مال وولد نسلبه منه عكس ما قال: إنه يؤتى في الدار الآخرة مالاً، وولداً زيادة على الذي له في الدنيا، بل في الآخرة يسلب منه الذي كان له في الدنيا، ولهذا قال تعالى: وَيَأْتِينَا فَرْداً أي: من المال، والولد".

قوله: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا بعض المفسرين يقولون: إنه أراد بذلك أنه يؤتى في الدنيا، وهذا بعيد، وسبب النزول يدل على أن المراد الآخرة؛ فهو يقول له: "لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد"، ثم بعد ذلك، قال له كما في بعض الروايات: "فإني إذا مت ثم بعثت جئتني، ولي ثَم مال، وولد؛ فأعطيتك" فهو يقصد في الآخرة، قاس الآخرة على الدنيا، فبما أنه أعطي في الدنيا فهو يقول: لئن رددت إلى ربي سأجد مثل ذلك، وأفضل منه في الدار الآخرة.

قوله - تبارك وتعالى -: أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا؟ الجواب في كل واحدة منهما: أنه لم يطلع على الغيب، ولم يتخذ عند الرحمن عهداً، وهو إنما يسوغ أن يقول ما قال بإحدى هاتين: إما أن يكون قد علم ما في الغيب، بعضهم يقول: أي اطلع على اللوح المحفوظ، وعلى كلٍّ: اطلع الغيب: يعني: على ما يكون له في المستقبل في الآخرة، فهو لم يطلع على الغيب، ولم يتخذ عند الله عهداً، والعهد هو الوعد المؤكد، وهذا هو الفرق بين العهد والوعد، أن الوعد المؤكد يقال له: عهد، واليهود حينما قالوا: لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً [سورة البقرة:80]، رد الله عليهم بقوله: أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [سورة البقرة:80].

كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا ۝ وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا بعضهم يقول: نَرِثُهُ مَا يَقُولُ يعني: نسجل عليه مقالته، ثم نوافيه بها بعد ذلك، وهذا بعيد، وإنما حملهم على ذلك هو قوله - تبارك وتعالى -: وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ فظاهر ذلك قد يفهم منه أنه يورث القول، لكن الأقرب الذي عليه عامة المفسرين: نَرِثُهُ مَا يَقُولُ يعني: ما يقول بأنه أوتيه ويترفع به من المال، والولد، حيث يظن أنه سيعطى ذلك في الآخرة، فالذي حصل له من ذلك في الدنيا فإن الله يسلبه إياه كما قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا [سورة مريم:40]، وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً كما قال الله : كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ [سورة الأنبياء:104]، يحشر الناس حفاة، عراة، غرلاً[1]، فلا يأتي بماله، ولا بولده، ولا بعشيرته، وحشمه، وخدمه وما إلى ذلك، وَيَأْتِينَا فَرْدًا أي: ليس معه شيء من ذلك.

  1. رواه أحمد: (3/418) برقم: (1949)، وقال محققوه: "إسناده صحيح على شرط الشيخين"، ومسلم بلفظ: يحشر الناس يوم القيامة حفاة، عراة، غرلا كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة، برقم (2859).