الجمعة 09 / ذو الحجة / 1446 - 06 / يونيو 2025
أَن دَعَوْا۟ لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله: تَكَادُ السّمَاوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقّ الأرْضُ وَتَخِرّ الْجِبَالُ هَدّاً أَن دَعَوْا لِلرّحْمَنِ وَلَداً أي يكاد ذلك عند سماعهن هذه المقالة من فجرة بني آدم إعظاماً للرب، وإجلالاً، لأنهن مخلوقات، ومؤسسات على توحيده، وأنه لا إله إلا هو، وأنه لا شريك له، ولا نظير له، ولا ولد له، ولا صاحبة له، ولا كفء له، بل هو الأحد، الصمد".

قوله: تَكَادُ السّمَاوَاتُ يَتَفَطّرْنَ كما قال الله تعالى: السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ [سورة المزمل:18]، ويقول: إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ [سورة الانشقاق:1] والتفطر هو الانشقاق، وقال الله تعالى: تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا تخر الجبال هدا بمعنى أنها تتكسر، وتتحطم، وتتهشم، ويسقط بعضها على بعض، يعني أن أجزاء الجبل تتساقط على بعضها فيقال: انهد.

"روى ابن جرير عن ابن عباس - ا - في قوله: تَكَادُ السّمَاوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقّ الأرْضُ وَتَخِرّ الْجِبَالُ هَدّاً أَن دَعَوْا لِلرّحْمَنِ وَلَداً قال: إن الشرك فزعت منه السموات، والأرض، والجبال، وجميع الخلائق إلا الثقلين، وكادت أن تزول منه لعظمة الله، وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك، كذلك نرجو أن يغفر الله ذنوب الموحدين، وقال رسول الله ﷺ: لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله، فمن قالها عند موته وجبت له الجنة فقالوا: يا رسول الله فمن قالها في صحته؟ قال: تلك أوجب وأوجب، ثم قال: والذي نفسي بيده لو جيء بالسموات، والأرضين، وما فيهن، وما بينهن، وما تحتهن؛ فوضعن في كفة الميزان، ووضعت شهادة أن لا إله إلا الله في الكفة الأخرى؛ لرجحت بهن[1] هكذا رواه ابن جرير، ويشهد له حديث البطاقة - والله أعلم -".

هذا يشهد له الجزء الأخير، وأما قوله ﷺ: لقنوا موتاكم شهادة لا إله إلا الله فالأحاديث التي جاءت من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة[2]، وقوله -تبارك وتعالى-: أَن دَعَوْا لِلرّحْمَنِ وَلَداً أن دعوا يحتمل معنيين، أن يكون الدعاء بمعنى التسمية يعني سمى له ولداً كما يقال فلان يدعى بزيد يعني يسمى، ويحتمل أن يكون الدعاء بمعنى النسبة دَعَوْا لِلرّحْمَنِ وَلَداً أي: نسبوا إليه ولداً.

"وقال الضحاك: تَكَادُ السّمَاوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْهُ أي يتشققن فرقاً من عظمة الله، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: وَتَنشَقّ الأرْضُ أي: غضباً له ، وَتَخِرّ الْجِبَالُ هَدّاً قال ابن عباس: "هدماً"، وقال سعيد بن جبير: "هداً ينكسر بعضها على بعض متتابعات".

وروى الإمام أحمد عن أبي موسى قال: قال رسول الله ﷺ: لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، إنه يشرك به، ويجعل له ولداً؛ وهو يعافيهم، ويدفع عنهم، ويرزقهم[3] أخرجاه في الصحيحين، وفي لفظ: "أنهم يجعلون له ولداً؛ وهو يرزقهم، ويعافيهم"".

  1. رواه الطبراني في المعجم الكبير برقم (13024)، من حديث ابن عباس - ا -، وابن جرير الطبري في تفسيره (18/258)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (515).
  2. رواه أبو داود، كتاب الجنائز، باب في التلقين، برقم (3116)، وأحمد في المسند، (36/363)، برقم (22034)، وقال محققوه: حديث صحيح، وهذا إسناد حسن، والحاكم في المستدرك برقم (1299)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، كلهم من حديث معاذ بن جبل ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (6479).
  3. رواه البخاري، كتاب الأدب، باب الصبر على الأذى، برقم (5748)، ومسلم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب لا أحد أصبر على أذى من الله ، برقم (2804)، وأحمد في المسند (32/292)، برقم (19527)، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط الشيخين، واللفظ لمسلم وأحمد.