الخميس 22 / ذو الحجة / 1446 - 19 / يونيو 2025
فَقُلْنَا يَٰٓـَٔادَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰٓ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدم يذكر تعالى تشريف آدم، وتكريمه وما فضله به على كثير ممن خلق تفضيلاً، وقد تقدم الكلام على هذه القصة في سورة البقرة، وفي الأعراف، وفي الحجر، والكهف، وسيأتي في آخر سورة ص، يذكر تعالى فيها خلْق آدم وأمْره الملائكة بالسجود له تشريفاً وتكريماً، ويبين عداوة إبليس لبني آدم ولأبيهم قديماً، ولهذا قال تعالى: فَسَجَدُوَاْ إِلاّ إِبْلِيسَ أبى، أي: امتنع واستكبر، فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنّ هَذَا عَدُوّ لّكَ وَلِزَوْجِكَ يعني حواء - عليهما السلام -، فَلاَ يُخْرِجَنّكُمَا مِن الْجَنّةِ فَتَشْقَىَ، أي: إياك أن تسعى في إخراجك منها فتتعب وتعنى، وتشقى في طلب رزقك، فإنك هاهنا في عيش رغيد هنيء بلا كلفة ولا مشقة، إِنّ لَكَ أَلاّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىَ.

قوله: فَلاَ يُخْرِجَنّكُمَا مِن الْجَنّةِ فَتَشْقَىَ من المعلوم أنه إذا ذُكر شيئان فالضمير بعدهما يعود على واحدٍ منهما لمعنى من المعاني، مثل: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا [سورة الجمعة:11]، قيل: إن التجارة هي المقصودة وليس اللهو الذي كان معها، وقيل: ضربُ الطبل إذاناً بوصولها، هكذا قال كثير من المفسرين، والشاهد أنه أعاد الضمير إلى واحد، فقال: فَلاَ يُخْرِجَنّكُمَا مِن الْجَنّةِ فَتَشْقَىَ ولم يقل: فتشقيا، أو تشقيان، باعتبار أن الكسب والكد وطلب الرزق، والحرث يقوم به الرجل، والمرأة في خدرها، فالعمل موكول بالرجل، فَلاَ يُخْرِجَنّكُمَا مِن الْجَنّةِ هذا العيش الرغيد الذي لا يحتاج منكم إلى سعي في طلبه وتحصيله، ولا كدٍّ، ولا زرع، ولا طحن، ولا عجن، ولا ذهاب ومجيء وبيع في الأسواق، فَتَشْقَىَ، يشقى الرجل في الخروج من بيته في طلب الرزق، والمرأة تبقى في خدرها لا تخرج، فنسب الشقاء إليه، ومن هذه الآية استنبط بعض أهل العلم -كالقرطبي - رحمه الله - أن نفقة المرأة تجب على الرجل كان أباً، أو زوجاً، وهذا استنباط دقيق، وهذه الآية هي من القصص القرآنية، وما سيقت من أجل تقرير حكم ابتداء، يعني: ليست من آيات الأحكام التي هي صريحة في ذلك، وكثير ممن كتبوا في أحكام القرآن يقتصرون على خمسمائة آية، كما فعل مقاتل بن سليمان المتوفي سنة 150هـ، تفسير الخمسمائة آية، التي هي الآيات الصريحة في تقرير الأحكام، وفي قصص الأنبياء تجد أحكاماً.

وهذا الدرس يُعلَّق فيه على ما يحتاج إلى تعليق، وتوجيه وجمع بين الأقوال، وللمناسبة في هذا العصر وهذه الاستفزازات للمرأة والدعوة إلى الاختلاط، ويقال: هذه هي الفطرة الإنسانية، وما جبل الله عليه الخليقة، حيث ركب الرجل بهذا التركيب من الصبر، والتحمل للكد والسعي والعمل على طلب الرزق، والمرأة تبقى مصونة محفوظة، وجعل فيه الغيرة عليها، فهي عورة وإذا خرجت استشرفها الشيطان، أي همّ بها أو أغرى بها وزينها للناظرين، فينبغي أن تبقى محفوظة بعيدة عن أنظار الرجال، تربي الصغير، وتقوم على المريض، وتهيئ الدار لزوجها وشريك حياتها، فإذا جاء وجد كل شيء قد هُيئ، فيجد راحة البال في بيته إذا رجع إليه من أعماله الشاقة، وأما إذا استفزت المرأة المسكينة للعمل، وخرجت وصارت أجيرة تكدح وتسعى هي وزوجها، ولربما هي التي تسعى وتكدح والزوج جالس في البيت، فإن ذلك يفسد نظام الحياة، من تحميل المرأة ما لا تحتمل، ومن إفساد الجيل والنشء حيث لا يتلقون التربية، وهؤلاء هم الرصيد الحقيقي للأمة ولمستقبلها، فيربيهم الخدم، لا يربونهم على الدين ولا على القيم، ولا على الفضائل، ويحصل من الاضطرابات في الحياة الأسرية من جهات متعددة، هذه المرأة المسكينة يحصل لها من القلق والضعف والتوتر والانشغال مما يدفع ضريبته هذا الزوج البائس المسكين، وهم إنما يفعلون ذلك من أجل أن لا تبقى حبيسة في الدار، ويؤتى باثنتين على الأقل أو ثلاث واحدة تطبخ وتربي، وواحدة تخدم وتكنس، وسائق يذهب ويجيء، هذا في أقل الحالات، وربما يأتي بمربية، أو بأكثر من سائق، وفي بعض التقارير في بعض المنظمات التابعة للأمم المتحدة أن المرأة العاملة في البلاد التي تعمل فيها المرأة تكون عبئاً على اقتصاد البلد بنسبة أربعين بالمائة، وهؤلاء يعرفون هذا الكلام جيداً، هؤلاء الذين يطالبون ويكتبون ويتبجحون في كل مناسبة وبدون مناسبة، يطالبون بخروج المرأة، ويوجد من يلقنهم أن الحرام الخلوة وليس الاختلاط، ويحتجون بأشياء كالطواف وبالمسجد النبوي، ما شاء الله تبارك الله، وللأسف كل هذا يلقى رواجاً في مثل هذه الأيام، تقحم المرأة إقحاماً؛ من أجل أن تخرج وتشقى، والله يقول: فَلاَ يُخْرِجَنّكُمَا مِن الْجَنّةِ فَتَشْقَىَ، والآن يريدون أن يشقوها معه أيضاً، والمرأة مسكينة تصدق هذا الكلام، وتخرج من أجل أن يكون لها قيمة، وأن يكون لها دور في المجتمع ما يبقى نصف المجتمع معطل، وصار حتى الدعاة يضطرون عند الكلام على هذه القضية أن يقولوا: لا يا امرأة، أنتِ لكِ دور ريادي، ودور مهم، وأنتِ لكِ دور قيادي لا يستهان به، فأنتِ التي تحضنين وتربين وتنشئين، ونصف المجتمع، تخرج القادة على يدك والعلماء والكبراء والملوك.

الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراقِ

وراء كل رجل عظيم امرأة، ويقولون لها كلاماً؛ لأن هذا الكلام يدغدغ مشاعرها، ويصل إلى الأعماق، وهي ضعيفة مسكينة، فإذا قالوا لها: أنتِ نصف المجتمع، محبوسة في البيت، ما تخرجين، أنتِ طاقة معطلة تأثرت، فيضطر الدعاة أن يقولوا: لا، أنتِ مهمة، من قال إنكِ مهضومة أو مكسورة الجناح، ولكِ دور قيادي وريادي، الإنسان الذي هو واثق من نفسه، وعارفٌ نفسه لا يحتاج أن يقال له هذا الكلام، والله المستعان، فَلاَ يُخْرِجَنّكُمَا مِن الْجَنّةِ فَتَشْقَىَ.