قال الله - تبارك وتعالى -: اهْبِطُواْ [سورة البقرة:36]، ثم قال هنا: اهْبِطَا مِنْهَا، من أهل العلم من يقول: إن المخاطب هو آدم وحواء، {اهْبِطَا}، ووجه الجمع مع قوله بعده، بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ ولم يقل: بعضكما لبعض عدو، الذين قالوا آدم وحواء فقط قالوا: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ بمعنى الذرية فحصل بينهم العداوة والبغضاء والتطاحن والشر كما هو معلوم، وبعضهم يقول: إن قوله: اهْبِطَا مِنْهَا لآدم وحواء، وإن قوله: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ يعني أن ذلك مع الشيطان، وبعضهم يقول: إن قوله: قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ، يعني أنتما أعداء للشيطان، والشيطان عدو لكما، بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ فَإِمّا يَأْتِيَنّكُم، العدو جنس يصدق على الواحد والعدد والكثير، كما قال الشاعر:
بها جيف الحسرى فأما عظامها | فبيض وأما جلدها فصليب |
بها جيف الحسرى المقصود بها الإبل التي تنقطع في الأسفار من الكلال والتعب يتركها أصحابها تموت، فالشاعر يمدح نفسه أنه يقطع الفيافي والأماكن التي لا يقطعها أحد:
بها جيف الحسرى فأما عظامها | فبيض وأما جلدها فصليب |
تسلخت منها جلود، وعظامها جمع، وقال: وأما جلدها ولم يقل: وأما جلودها، فقوله: وأما جلدها، أي: الجلود فهو جنس يسقط على الواحد والكثير، ثم يقال: خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ [سورة العنكبوت:44] الأرض مفرد، وهو جنس يصدق على العدد أيْ سبع من الأرضين، وهكذا في مواضع كثيرة، أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء [سورة النور:31] يعني: أو الأطفال، هو بمعنى الجمع.
الذين قالوا بأن المقصود بقوله: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ يعني مع إبليس قالوا فَإِمّا يَأْتِيَنّكُم مّنّي هُدًى الخطاب للجميع، فيدخل فيه إبليس، بمعنى الذرية أيضاً؛ لأن الجن من ذرية إبليس، وإن لم يكن هذا محل اتفاق، فالكفرة منهم يقال لهم: شياطين.