الأحد 05 / ربيع الآخر / 1447 - 28 / سبتمبر 2025
وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰٓ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله: فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىَ، أي استمع الآن ما أقول لك وأوحيه إليك إِنّنِيَ أَنَا اللّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَاْ هذا أول واجب على المكلفين أن يعلموا أنه لا إله إلا الله وحده لا شريك له.

وقوله: فَاعْبُدْنِي، أي: وحّدني، وقم بعبادتي من غير شريك، وَأَقِمِ الصّلاَةَ لِذِكْرِيَ قيل: معناه صلِّ لتذكرني، وقيل: معناه وأقم الصلاة عند ذكرك لي، ويشهد لهذا الثاني ما روى الإمام أحمد عن أنس عن رسول الله ﷺ قال: إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله تعالى قال: وَأَقِمِ الصّلاَةَ لِذِكْرِيَ[1]، وفي الصحيحين عن أنس قال: قال رسول الله ﷺ: من نام عن صلاة أو نسيها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك[2].

وَأَقِمِ الصّلاَةَ لِذِكْرِيَ، يمكن أن يكون الذكر مصدراً مضافاً إلى المفعول، ويمكن أن يكون مضافاً إلى الفاعل، فالياء هذه قد تكون مفعولاً أو فاعلاً، فإذا أعربت فاعلاً، فالمعنى: لأذكرك في الملأ الأعلى، لذكري الياء فاعل، يعني: لأذكرك، والله يقول: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه[3]، وإذا أعربت مفعولاً، فالمعنى: لتذكرني بها، باعتبار أن الصلاة مشتملة على الذكر، ويحصل بها من ذكر القلب مع ذكر اللسان إذا تواطأ القلب مع اللسان، والمعنى الثاني الذي ذكره ابن كثير وهو من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها قد لا ينسجم مع هذين التفسيرين، ولهذا ابن جرير - رحمه الله - يرده، لأنه لو كان كذلك لقال: "وأقم الصلاة لذكرها"، يعني: إذا تذكرتها، لكن اعتراض ابن جرير - رحمه الله - هنا يرده الحديث، والتفسير إذا جاء عن النبي ﷺ فإنه لا يعارَض برأي ولا اجتهاد، فالنبي ﷺ ذكر الآية عند قوله: من نام عن صلاة أو نسيها لكن يبقى النظر وهو أن قول النبي ﷺ هذا هل هو حصر للمعنى فيه، أو هو من جملة ما يدخل في معنى الآية؟ هذا هو الأقرب أنه من جملة ما يدخل في معنى الآية، والآية قد تكون في معنى على سياقها، وتُحمل على معنى آخر، فالنبي ﷺ حينما قال عليٌّ : "إن أرواحنا بيد الله"، رجع وهو يضرب فخذه ويقول: وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [سورة الكهف:54][4]، مع أنها في جدل الكفار وتكذيبهم للقرآن ووحي النبوة والتوحيد، وهكذا في قول النبي ﷺ: إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غُرْلاً، ثم قرأ: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ [سورة الأنبياء:104][5]، مع أن سياق الآية في الاستدلال على البعث بالنشأة الأولى، وهكذا: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ [سورة التوبة:108] فهذا السياق لقباء، ولما اختلف العوفي مع الخدري وجاءوا إلى النبي ﷺ قال: هو مسجدي هذا[6]، فهذا يحمل باعتبار أن مسجده ﷺ أحق بهذا الوصف من مسجد قباء، ولا ينفي ذلك كون الآية في مسجد قباء، فهنا: وَأَقِمِ الصّلاَةَ لِذِكْرِيَ الحديث صريح في الربط بين الآية وبين من نام عن صلاة أو نسيها، فلا يقال: لو كان ذلك صحيحاً لقال: لِذِكْرها، فهذا المعنى داخل فيه، وكذلك أيضاً ما سبق من تفسير المصدر بأنه هنا مضاف إلى الفاعل أو إلى المفعول، وَأَقِمِ الصّلاَةَ لِذِكْرِيَ، أي: لتذكرني بها، أو وَأَقِمِ الصّلاَةَ لِذِكْرِيَ، أي: لأذكرك، فكون المصدر هنا مضافاً إلى المفعول أوضح في المعنى وأقرب، وهو المتبادر، لكن القرآن يعبر فيه بالألفاظ القليلة الدالة على المعاني الكثيرة، فيمكن أن يقال - والله أعلم -: إن المصدر هنا محمول على المعنيين، أقم الصلاة لذكري: لتذكرني، وإذا ذكر العبد ربه فإن الله يذكره، فهذه المعاني متلازمة، من ذكرني في ملأ ذكرته إلى آخره، وهكذا أيضاً فسره النبي ﷺ بأنه: من نام عن صلاة أو نسيها، فعلى هذا التفسير تكون اللام للتوقيت لِذِكْرِيَ، يعني: لوقت تذكرك، مثل: أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ [سورة الإسراء:78] اللام للتوقيت، ويحتمل أن تكون اللام تعليلية على المعنيين الأوليْن، لِذِكْرِيَ، أي: لأجل أن أذكرك أو لأجل أن تذكرني، فاللام تحتمل هذا وهذا، وابن القيم - رحمه الله - حمل الآية على الجميع؛ لما بين المعنيين الأوليْن من الملازمة في تفسير المصدر، والمعنى الثالث هو الذي جاء في الحديث.

  1. رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، برقم: (680).
  2. رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، برقم: (684).
  3. رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: ويحذركم الله نفسه [آل عمران: 28] برقم (6970)، ومسلم كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله تعالى، برقم (2675)، وأحمد بن حنبل: (2/354) برقم: (8635).
  4. رواه البخاري، أبواب التهجد، باب تحريض النبي ﷺ على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب وطرْق النبي ﷺ فاطمة وعليا - عليهما السلام - ليلةً للصلاة: برقم: (1075)، وصحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب ما روي فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح: برقم: (775).
  5. رواه البخاري، كتاب التفسير، باب كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا [سورة الأنبياء:104] برقم: (4463)، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة برقم: (2860).
  6. رواه الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة التوبة، (5/280) برقم: (3099)، وصححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (2/22)، رقم (1177).