الأربعاء 02 / ذو القعدة / 1446 - 30 / أبريل 2025
فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِۦ فَٱجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُۥ نَحْنُ وَلَآ أَنتَ مَكَانًا سُوًى

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى ۝ فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى ۝ قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى [سورة طه:57-59]، يقول تعالى مخبراً عن فرعون أنه قال لموسى حين أراه الآية الكبرى، وهي إلقاء عصاه، فصارت ثعباناً عظيماً، ونزع يده من تحت جناحه فخرجت بيضاء من غير سوء، فقال: هذا سحر جئت به لتسحرنا وتستولي به على الناس فيتبعونك، وتكاثرنا بهم، ولا يتم هذا معك، فإن عندنا سحراً مثل سحرك، فلا يغرنك ما أنت فيه، فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً، أي: يوماً نجتمع نحن وأنت فيه، فنعارض ما جئت به بما عندنا من السحر في مكان معين، ووقت معين، فعند ذلك قَالَ لهم موسى: مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزّينَةِ وهو يوم عيدهم ونوروزهم وتفرغهم من أعمالهم، واجتماع جميعهم؛ ليشاهد الناس قدرة الله على ما يشاء، ومعجزات الأنبياء، وبطلان معارضة السحر لخوارق العادات النبوية، ولهذا قال: وَأَن يُحْشَرَ النّاسُ، أي: جميعهم ضُحًى، أي: ضحوة من النهار؛ ليكون أظهر وأجلى وأبين وأوضح، وهكذا شأن الأنبياء كل أمرهم بيِّن واضح ليس فيه خفاء ولا ترويج، ولهذا لم يقل: ليلاً، ولكن نهاراً ضحى، قال ابن عباس - ا -: وكان يوم الزينة يوم عاشوراء، وقال السدي وقتادة وابن زيد: كان يوم عيدهم، وقال سعيد بن جبير: كان يوم سوقهم، ولا منافاة، قلت: وفي مثله أهلك الله فرعون وجنوده، كما ثبت في الصحيح، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: مَكَانًا سُوًى مستوٍ بين الناس، وما فيه لا يكون صَوَب ولا شيء يتغيب بعض ذلك عن بعض، مستوٍ حين يُرى.

قوله - تبارك وتعالى -: فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى، يقول: أي يوماً نجتمع نحن وأنت فيه، فنعارض ما جئت به بما عندنا من السحر في مكان ووقت معين، فعند ذلك قال لهم موسى : مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى، فرعون يقول: اجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى الأقرب - والله أعلم - في تفسيره أنه مكان مستوٍ، يعني: في أبعاده وموقعه بحيث يكون مكاناً متوسطاً يسهل مجيء الناس إليه من الأطراف والنواحي المختلفة، ولا يكون مكاناً متطرفاً في محل ناءٍ لا يصل إليه إلا بعض الناس أو يصل الناس إليه بمشقة أو نحو ذلك، هكذا فسره بعض أهل العلم، وبعضهم قال: سوى، أي: مكاناً متوسطاً بيننا وبينك، أي: بين موسى  وبين فرعون، لكن هذا قد لا يكون بالقوي، والسبب أن موسى  حينما أراد أن يُبيّن هذا هل المقصود أن يكون مكاناً متوسطاً بين قصر فرعون وبين المكان الذي يسكن فيه موسى من البلدة نفسها، وهل هذا هو المراد؟ هذا فيه بعد، وأحسن من هذا قول من قال: إنه مكان مستوٍ، بمعنى أنه لا يوجد فيه من التضاريس ما يحول دون الرؤية والمشاهدة حيث يكون مكاناً مستوياً تماماً، وكذلك يكون الموعد في وقتٍ الناسُ فيه قد تفرغوا من أشغالهم، مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَة بعضهم يقول: يوم الزينة أي: يوم السوق الذي يخرجون فيه إلى سوقهم، وبعضهم يقول: يوم الزينة هو يوم العيد، وقول ابن كثير - رحمه الله -: "ولا منافاة" كأنه أراد: أنهم لعلهم يخرجون إلى سوقهم في يوم عيدهم، والمشهور أنه يوم عيد بالنسبة لهم، فيجتمع هؤلاء الناس ويتيسر حضورهم وقد تخففوا من أشغالهم وتفرغوا من أعمالهم، فيمكنهم الحضور والمجيء بل يُحْضَرون كما قال: وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى، ومعنى: أَن يُحْشَرَ النَّاسُ يجمعون، والضحى هو أول النهار فإن الشمس إذا ارتفعت بعد الطلوع كان ذلك هو الضحى، وهذا الضحى له أول وأوسط وآخر، وما ذكره الحافظ ابن كثير - رحمه الله - هنا ظاهر، وهو أن هذا الوقت هو أوضح ما يكون في الرؤية بحيث لا يكون هناك خفاء ولا لبس، فلا أحد يقول: رأيت أو ما رأيت، وذكر بعض أهل العلم أيضاً علة أخرى وهي غير منافية لما ذكر: أن هذا الوقت في أول النهار فقد تطول تلك الجولة مما يستدعي وقتاً أطول فيكون المبتدأ من أول اليوم.