السبت 17 / ذو الحجة / 1446 - 14 / يونيو 2025
يَٰبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ قَدْ أَنجَيْنَٰكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَٰعَدْنَٰكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مّنْ عَدُوّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطّورِ الأيْمَنَ وَنَزّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنّ وَالسّلْوَىَ ۝ كُلُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىَ ۝ وَإِنّي لَغَفّارٌ لّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمّ اهْتَدَىَ [سورة طه:80-82]، يذكر تعالى نعمه على بني إسرائيل العظام ومننه الجسام؛ حيث أنجاهم من عدوهم فرعون، وأقر أعينهم منه وهم ينظرون إليه وإلى جنده قد غرقوا في صبيحة واحدة لم ينج منهم أحد، كما قال: وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ [سورة البقرة:50]، وروى البخاري عن ابن عباس - ا - قال: لما قدم رسول الله ﷺ المدينة وجد اليهود تصوم عاشوراء، فسألهم فقالوا: هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون، فقال: نحن أولى بموسى فصوموه[1]، رواه مسلم أيضاً في صحيحه، ثم إنه تعالى واعد موسى وبني إسرائيل بعد هلاك فرعون إلى جانب الطور الأيمن وهو الذي كلمه الله تعالى عليه وسأل فيه الرؤية وأعطاه التوراة هنالك، وفي غضون ذلك عبد بنو إسرائيل العجل كما يقصه الله تعالى قريباً، وأما المن والسلوى فقد تقدم الكلام على ذلك في سورة البقرة وغيرها، فالمن حلوى كانت تنزل عليهم من السماء، والسلوى طائر يسقط عليهم فيأخذون من كلٍّ قدرَ الحاجة إلى الغد، لطفاً من الله ورحمة بهم وإحساناً إليهم، ولهذا قال تعالى: كُلُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي، أي: كلوا من هذا الرزق الذي رزقتكم ولا تطغوا في رزقي فتأخذوه من غير حاجة، وتخالفوا ما أمرتكم به فَيَحِلّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي، أي: أغضب عليكم، وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىَ، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - ا -: أي فقد شقي.

في قوله - تبارك وتعالى -: وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ كما قلنا: الجبل ليس له أيمن ولا أيسر وإنما ذلك بحسب من يحتف به أو يمر بجانبه، يعني على يمينه، والمواعدة هنا وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ من أهل العلم من يقول: المواعدة كانت لموسى ، ولما كانوا أتباعاً له أضاف ذلك إلى المجموع، وَوَاعَدْنَاكُمْ، وبعضهم يقول: إن الله وعد موسى وهم معه بحيث يسمعون الله - تبارك وتعالى - يناجيه، ولما كان موسى هو مقدمهم وإمامهم ونبيهم واعده الله - تبارك وتعالى - من أجل أن يناجيه فأضاف ذلك إلى المجموع، والله تعالى أعلم.

وقوله - تبارك وتعالى -: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى يعني: في التيه الذي حصل لهم كما هو معلوم، كان يظللهم الغمام وأنزل الله عليهم المن والسلوى، وكثير من المفسرين يفسرون المن بالترنجبين، وهو مادة صمغية بيضاء تنزل أشبه بالنداء على الأشجار يكون مثل العسل الأبيض، حلو الطعم ولا زال يعرف إلى اليوم، ويوجد شيء يباع يسمى بالمن في بعض أماكن الحلويات موجود في مكة يأتون به من العراق، وأهل العراق يعرفونه، والأقرب أن المن هو كل ما يحصل للإنسان من غير كده وتعبه، ولهذا قال النبي ﷺ: الكمأة من المن[2]، والكمأة تخرج من غير عمل الإنسان، ويدخل فيه الترنجبين إلى غير ذلك، وأما السلوى فكثير من المفسرين يقولون: هو طائر وهذا هو الراجح، وبعضهم يقول: هو السُّمانا، وبعضهم يقول: يشبه السُّمانا.

وقوله: وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي قراءة الكسائي: فيَحُلّ عَلَيْكُم غَضَبِي ومَنْ يحْلُل عليه غَضَبِي فَقَدْ هَوى يحُل، يعني: ينزل بكم، حلّ يحُل، أي: نزل، وفي قراءة الجمهور: فيحِل عليكم غَضَبِي ومَنْ يَحلِل، يعني: فيجب، وقد يقال: إن القراءتين ترجعان إلى معنى واحد؛ لأن بعضهم يقول: هما لغتان، إذا تأملت في المعنى الثاني الذي ذكروه حلّ يحِل، قالوا بمعنى: يجب، فإن الوجوب يأتي بمعنى السقوط، فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا [سورة الحج:36]، يعني: وقعت على الأمر، فيرجع إلى المعنى الأول، وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى، يعني: صار إلى الهاوية، كما قال : فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ [سورة القارعة:9]، ليس المقصود أمه يعني والدته، فالحاصل أن عاقبته إلى الخسران.

  1. رواه البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب إتيان اليهود النبي ﷺ حين قدم المدينة، برقم (3727)، ومسلم، كتاب الصيام، باب صوم يوم عاشوراء، برقم (1130).
  2. رواه البخاري، كتاب التفسير، باب وقوله تعالى: وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [سورة البقرة:57]، برقم (4208)، ومسلم، كتاب الأشربة، باب فضل الكمأة ومداواة العين بها، برقم (2049)، من حديث سعيد بن زيد .