الإثنين 23 / جمادى الأولى / 1446 - 25 / نوفمبر 2024
فَإِن تَوَلَّوْا۟ فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ ۖ وَإِنْ أَدْرِىٓ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

فَإِن تَوَلّوْاْ أي: تركوا ما دعوتهم إليه فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَىَ سواء أي: أعلمتكم أني حرب لكم كما أنكم حرب لي بريء منكم كما أنتم براء مني، كقوله: وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ [سورة يونس:41] وقال: وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء [سورة الأنفال:58]، أي: ليكن علمك وعلمهم بنبذ العهود على السواء، وهكذا ههنا فَإِن تَوَلّوْاْ فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَىَ سواء أي: أعلمتكم ببراءتي منكم وبراءتكم مني لعلمي بذلك.

قوله – تبارك وتعالى -: فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاء وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ [سورة الأنبياء:109]، الإيذان أصله الإعلام ومنه الأذان، والمعنى: أعلمتكم بأنكم عدو لي وأنا عدو لكم، لا مجال للمقاربة بيني وبينكم، وقد قال الله  : وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [سورة القلم:9]، يعني: تتنازل عن بعض الحق فيتنازلون عن بعض ما عندهم، وقال: وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً  [سورة الإسراء73]، وغير ذلك من الآيات التي تدل على هذا المعنى، وما يوده هؤلاء الكفار من إزاغة أهل الإيمان عن إيمانهم وعن الحق الذي هم فيه، وأخبر الله عن شدة حسدهم للمؤمنين كما هو الشأن في اليهود، أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا [سورة النساء: 54].

قوله: وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ قال بعض أهل العلم في معنى هذه الآية: هذا الذي توعدونه من ظهور الإسلام وغلبة المسلمين على الكفار، ومنهم من يقول: أي هذا الذي توعدونه في الآخرة، وما يحصل فيها من جزاء وحساب؛ ولهذا قال الله : وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ [سورة يونس:53]، ويقول: وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، ويقول: قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لَّا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ [سورة سبأ:30] ولعل هذا هو الأقرب والله تعالى أعلم.

وقوله: وَإِنْ أَدْرِيَ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مّا تُوعَدُونَ أي: هو واقع لا محالة، ولكن لا علم لي بقربه ولا ببعده.