قوله: {ثُمّ نُكِسُواْ عَلَىَ رُءُوسِهِمْ} أي: ثم أطرقوا في الأرض، فقالوا: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤلاء يَنطِقُونَ}، قال قتادة: أدركت القومَ حيرةُ سوء، فقالوا: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤلاء يَنطِقُونَ}، ولهذا قالوا له: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤلاء يَنطِقُونَ} فكيف تقول لنا سلوهم إن كانوا ينطقون، وأنت تعلم أنها لا تنطق؟، فعندها قال لهم إبراهيم لما اعترفوا بذلك: {أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلاَ يَضُرّكُمْ} أي: إذا كانت لا تنطق وهي لا تنفع ولا تضر، فلم تعبدونها من دون الله؟ {أُفّ لّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أي: أفلا تتدبرون ما أنتم فيه من الضلال والكفر الغليظ الذي لا يروج إلا على جاهل ظالم فاجر؟، فأقام عليهم الحجة وألزمهم بها؛ ولهذا قال تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} [سورة الأنعام: (83)] الآية.
قوله: {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ}، القول بأن معنى هذه الآية: ثم أطرقوا في الأرض، أي نَكّسوا رءوسهم متفكرين فيه بعد والله أعلم؛ لأنه لو كان هذا هو المراد لقال: ثم نَكَّسوا رءوسهم، أو نَكَسوا رءوسهم، لكنه قال: {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ} وهذا يعبر به عمن رجع إلى غيه، وكابر، وعاند، ولم يقف عند دلائل الحق، فرجع إلى جهالته، فشبه عودهم إلى الباطل بصيرورة أسفل الشيء أعلاه، فتحولوا هذا التحول وانقلبوا، رجعوا بعدما حصلت لهم الإفاقة، وكابروا وعاندوا ورجعوا إلى جهلهم، فأرادوا أن ينتصروا لهذه الآلهة، {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ}.