السبت 21 / جمادى الأولى / 1446 - 23 / نوفمبر 2024
وَوَهَبْنَا لَهُۥٓ إِسْحَٰقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَٰلِحِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وَنَجّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الأرْضِ الّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ۝ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ ۝ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصّلاَة وَإِيتَاءَ الزّكَاةِ وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ ۝ وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الّتِي كَانَت تّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ ۝ وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنّهُ مِنَ الصّالِحِينَ [سورة الأنبياء:71-75].

يقول تعالى مخبراً عن إبراهيم أنه سلمه الله من نار قومه، وأخرجه من بين أظهرهم مهاجراً إلى بلاد الشام، إلى الأرض المقدسة منها.

وقوله: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً قال عطاء ومجاهد: أعطيه، وقال ابن عباس - ا - وقتادة والحكم بن عيينة: النافلة ولد الولد، يعني أن يعقوب ولد إسحاق، كما قال: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ [سورة هود:71]، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: سأل واحداً، فقال: رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ [سورة الصافات:100] فأعطاه الله إسحاق وزاده يعقوب نافلة، وَكُلاّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ أي: الجميع أهل خير وصلاح، وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً أي: يقتدى بهم، يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا: أي يدعون إلى الله بإذنه؛ ولهذا قال: وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصّلاَة وَإِيتَاءَ الزّكَاةِ من باب عطف الخاص على العام، وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ أي: فاعلين لما يأمرون الناس به.

قوله - تبارك وتعالى -: وَنَجّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الأرْضِ الّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ، هنا فعل "نجى" عدى بإلى، وبعض أهل العلم يقولون: إن قوله: وَنَجّيْنَاهُ مضمن معنى أخرجناه إلى، وأن فعل أخرج يعدى بـ"إلى"، ويقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في قوله تعالى: وَنَجّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الأرْضِ الّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ "إلى بلاد الشام"، وهذا هو المشهور، وهو الذي اختاره ابن جرير، وبعضهم يقول: إلى بيت المقدس، وبعضهم يقول: إلى مكة، وهذا غير صحيح؛ لأن إبراهيم حينما هاجر من أرض العراق لم يذهب إلى مكة، وإنما ذهب إلى بلاد الشام، ثم جاء إلى مكة بعد ذلك حينما وضع فيها هاجر وابنه إسماعيل، وقوله - تبارك وتعالى -: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً، يقول الحافظ: فأعطاه الله إسحاق وزاده يعقوب نافلة، وأصل النافلة هي الزيادة على الأصل، فبعض أهل العلم يقول: إذا كان المقصود بها الزيادة على الأصل، وأن الله - تبارك وتعالى - تفضل عليه وأعطاه وزاده، فهذا يمكن أن يكون المقصود به إسحاق ويعقوب، ويمكن أن يكون المراد به يعقوب، ولا دليل على تحديد المراد، فالله أخبر أنه قال: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً، فيمكن أن يكون نَافِلَةً يرجع إلى من ذكر وهو إسحاق ويعقوب - عليهما الصلاة والسلام -، ويحتمل أن يكون المراد به يعقوب، فكل ولديه، كل واحد من ولديه نافلة، كما يقول ابن جرير - رحمه الله -، فيحتمل هذا ويحتمل هذا، فالله وهبه هؤلاء الأولاد، تفضل بهم عليه، وبعض أهل العلم يقول: بما أن النافلة هي الزيادة على الأصل، فولد الولد يقال له نافلة، يعني أعطاه ما سأل، هو سأل ربه أن يهبه ولداً، فوهبه إسحاق وزاده عليه مما لم يسأل يعقوب، قالوا: ولد الولد نافلة، وهذا ذهب إليه طائفة من أهل العلم، وممن رجحه وانتصر له من المعاصرين الشيخ محمد الأمين الشنقطي - رحمه الله -.

قال: وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ قال: "أي الجميع أهل الخير والصلاح"، الجميع من ذكر إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ويحتمل أن يكون المراد وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ يعني: إسحاق ويعقوب.

وقوله: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً أي: يقتدى بهم، ويحتمل أن يكون يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا كما قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: "أي يدعون إلى الله بإذنه"، ويحتمل أنهم يدعون بما أنزل الله عليهم وأوحى عليهم من الأمر والنهي وغير ذلك مما أوحاه - تبارك وتعالى -.

ثم عطف بذكر لوط ، وهو لوط بن هاران بن آزر، كان قد آمن بإبراهيم واتبعه وهاجر معه، كما قال تعالى: فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي [سورة العنكبوت:26] فآتاه الله حكماً وعلماً، وأوحى إليه وجعله نبياً وبعثه إلى سدوم وأعمالها، فخالفوه وكذبوه، فأهلكهم الله ودمر عليهم، كما قص خبرهم في غير موضع من كتابه العزيز؛ ولهذا قال: وَنَجّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الّتِي كَانَت تّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ ۝ وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنّهُ مِنَ الصّالِحِينَ.