وَزَكَرِيّا إِذْ نَادَىَ رَبّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىَ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ [سورة الأنبياء:89-90].
يخبر تعالى عن عبده زكريا حين طلب أن يهبه الله ولداً يكون من بعده نبياً، وقد تقدمت القصة مبسوطة في أول سورة مريم وفي سورة آل عمران أيضاً، وههنا أخصر منهما إِذْ نَادَىَ رَبّهُ أي: خفية عن قومه رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً أي: لا ولد لي ولا وارث يقوم بعدي في الناس وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ دعاء وثناء مناسب للمسألة، قال الله تعالى: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىَ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ أي: امرأته، قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير: كانت عاقراً لا تلد فولدت.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فنسأل الله - تبارك وتعالى - أن يبارك لنا ولكم في القرآن العظيم، وأن يجعله حجة لنا لا حجة علينا، وأن يرزقنا وإياكم العلم بالقرآن، والعمل به.
الله - تبارك وتعالى - ذكر جملة من الأنبياء كإبراهيم ﷺ، وإسحاق ويعقوب ونوح، وإسماعيل وأيوب وذي النون وذي الكفل وجماعة من أنبياء الله - عليهم الصلاة والسلام -، وذكر في جملتهم زكريا فقال: وَزَكَرِيّا إِذْ نَادَىَ رَبّهُ أي: واذكر إذ نادى ربه، وقصة زكريا ذكرت في سورة آل عمران، وفي سورة مريم، والله حينما يذكر ذلك متكرراً في القرآن فإنما يذكر من كل قصة ما يناسب في ذلك المقام، فليس ذلك من التكرار المحض، إذ لا يوجد في القرآن من أوله إلى آخره تكرار محض، فيذكر من أخبارهم وقصصهم في كل مقام ما يناسب ذلك المقام، فإذا كان المقام يذكر فيه الله بأسه وشدته وبطشه بالظالمين فإنه يذكر من قصص الأنبياء ما يناسب ذلك، حيث يبين ما فعل بأعدائهم، وإذا كان المقام مقام بيان منزلة هؤلاء الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - فإنه يذكر من ذلك ما يناسبه، والمقصود أن الله ذكر خبر زكريا هنا حيث قال: رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً يقول الحافظ هنا: "لا ولد لي ولا وارث يقوم بعدي في الناس وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ"، كما قال الله عنه في الموضع الآخر: وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا [سورة مريم:5]، وذكرنا هناك أن المراد بذلك أنه قصد الوراثة في الدين، خاف أن يضيع أمر الله من بعده فلا يوجد من يقوم به على الوجه المطلوب، وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ، هذا الذي عليه المحققون في تفسير هذه الآية، خلافاً لمن قال: وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي إنه أراد أن يُوجَد له وارث للمال، فهذا لا يكون من نبي من أنبياء الله - عليهم الصلاة والسلام -، بل لا يكون ذلك من آحاد الناس من كرامهم وأشرافهم، كيف يدعو ربه أن يرزق الولد من أجل أن لا يورث من غير أولاده؟، فإن هذا لا يليق بمنزلة نبي كريم من أنبياء الله ، إنما قصد بذلك أن يوجد من عقبه من يقوم بأمر الله ، لما قال الله لإبراهيم ﷺ: إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا [سورة البقرة:124] يعني معلماً للخير إماماً في الخير، يأتم الناس بك، يقتدون بك وبفعالك الجميلة، قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي أخذته الشفقة على أولاده وذريته، وَمِن ذُرِّيَّتِي يعني اجعل أئمة منهم، قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ، فعهد الله المقصود به هنا الإمامة بالدين، وليس في الدنيا، لاَ يَنَالُ عَهْدِي أي: لا يكونون أئمة في الدين يقتدى بهم، ولذلك تشاهدون أن من ينحرف عن الطريق ممن ينتسب إلى الدين والعلم فإن ضرر ذلك يعود عليه هو، ولا يعود على الآخرين، وإن عاد عليهم عوداً مؤقتاً إلا أنه في الحقيقة هو الذي يهلك نفسه، فإن مثل هذا لا يجعل الله له القبول، ولا ينتفع الناس بكلامه، ويبقى دين الله محفوظاً، وانظروا في التاريخ ذكر الله خبر بلعام، وفي هذه الأمة وفي تاريخها في امتدادها الطويل خلقٌ لا يحصيهم إلا الله ممن غيروا وبدلوا ممن ينتسب إلى العلم، أو وقع في البدع والانحرافات الاعتقادية، أو في الانحرافات السلوكية، وبقي دين الله محفوظاً، أما هؤلاء فيسقطون ويضمحلون، ولا يبقى لهم ذكر، ومن قلب نظره عرف ذلك بعين بصيرته، فنسأل الله أن يثبتنا وإياكم على الحق.
والمقصود أنه قال: رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً لا ولد لي، فطلب الولد؛ لأنه يريد أن يرثه من عقبه من يقوم بدين الله ، وزكريا ﷺ نبي، وبلغ هذه السن ولم يرزق بالولد فدل ذلك على أن عدم حصول الولد ليس بنقص في الإنسان؛ وذلك أن الله يختار الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - من بين قومهم فهم أكملهم من كل وجه، لا يختار من بهم عاهات ونقائص تزري بهم؛ لئلا ينتقصهم أقوامهم بسببها، فـ إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ يعني: خير من يبقى بعد كل من يموت، فإن لم ترزقني الولد فإني أعلم أنك لا تضيع دينك، وأنك حافظ الدين، والله يقول في هذه الأمة وفي كتابها: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [سورة الحجر:9] يقول الحافظ ابن القيم - رحمه الله -:
واللهِ لولا اللهُ حافظ دينه | لتهدّمت منه قوى الأركان |
من كثرة ما مر على هذا الدين من المصائب والكيد والتضليل والانحرافات، في أواخر عهد الصحابة ، ومع ذلك بقي الحق محفوظاً ثابتاً، فالخوف ليس على الدين، وإنما الخوف علينا، والسعيد من سار في ركابه، وكما قال بعض المحبين لما توفي شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - كتب وصية جميلة وطبعت، يوصي بها تلاميذ شيخ الإسلام بالعناية، وكان مما قال لهم: والله إنه سيأتي رجال وهم في أصلاب آبائهم يحملون هذا العلم وينتفعون به، وانظروا كيف صدقت هذه الكلمة، فلا زال الناس ينتفعون بكتبه غاية الانتفاع.
وفي قوله - تبارك وتعالى -: وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ قال: "أي امرأته"، قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير: كانت عاقراً لا تلد فولدت، هذا هو المشهور، وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ بمعنى أنها صارت مهيأة للولد، ولكن ذكر بعض أهل العلم وهو مروي عن ابن عباس - ا -، وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ قال: كان في لسانها بعض الطول، وبعضهم يعبر يقول: كان في خُلقها شيء، يعني كانت صعبة الأخلاق، وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ، فالله - تبارك وتعالى - هنا لم يذكر شيئاً محدداً في الإصلاح، يعني هذا الذي يسمونه بحذف المتعلق وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ، ومن أهل العلم من حمله على الولادة، يعني صارت مهيأة للولد، باعتبار أن المقام مقام ذكر هذه الآية، والمعجزة بأن الله جعلها تلد بعد أن كانت عاقراً، وقد بلغت أيضاً سناً كبيرة، وهذا وجه حسن في التفسير، وهي قرينة تدل عليه، وأولى من القول بأن المراد بذلك وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ أي: أنه في خُلقها بعض الشيء فأصلحناه، فهذا لا يدل عليه السياق، وقد يقال: إنه يبعد أن تكون زوجة نبي بهذه المثابة - سيئة الخلق -، وهذا لا إشكال فيه، ومن هؤلاء - ككبير المفسرين أبي جعفر بن جرير - رحمه الله - من قال بأن المراد وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ الله لم يحدد شيئاً فيحمل ذلك على الجميع، أصلحها له من كل وجه، فجعلها صالحة للولادة، وجعلها صالحة في أخلاقها مهذبة في سلوكها ولسانها، فهذا جمع بين هذه الأقوال، وهذه طريقة ابن جرير - رحمه الله - في التفسير، إذا وُجدت أقوال تحتملها الآية ولم يوجد دليل يدل على بعضها فإنه يحمل الآية على الجميع.
قوله: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا يحتمل أن يعود للأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - الذين ذُكروا وهم كثير جداً، فأثنى الله عليهم بقوله: إِنّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ أي: يبادرون فيها، وذلك يشمل كل ألوان المسارعة، ففي الصلاة يسارعون في أول وقتها، هم سباقون في ألوان العبادات في الصدقات، وقراءة الكتاب الذي أنزله الله ، ونحو ذلك، داود كان قد خفف عليه قراءة الزبور حتى كان يقرأ الزبور في الوقت الذي يسرج له فرسه، في هذا الوقت اليسير، فيحتمل أن الضمير في "إنهم" يرجع إلى جميع الأنبياء الذين ذكروا قبله، ويحتمل أنه يعود إلى زكريا ﷺ وأهل بيته، زكريا وزوجه ويحيى، فالآية تحتمل هذا وهذا، وممن رجح أن المقصود بذلك زكريا وزوجه ويحيى - عليهم الصلاة والسلام - أبو جعفر بن جرير الطبري - رحمه الله -، قال: المراد هم هؤلاء، والآية تحتمل المعنيين، ولا شك أن الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - جميعاً ينطبق عليهم هذا الوصف تمام الانطباق.
والطريقة التي نمشي عليها عادة في هذا التفسير لا نتوسع كثيراً، وإنما يُذكر مأخذ القول، وتوجه الأقوال التي تذكر، وتبين بعض الجوانب التي يحتاج إليها فقط، دون توسع في ذكر الفوائد والمعاني، فلا نخرج عن طريقة ابن كثير - رحمه الله -، وقوله: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ "إنّ" هذه تدل على التعليل، والله - تبارك وتعالى - ذكر أنه استجاب له، قال: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ فيؤخذ منه أن المسارعة في الخيرات، والدعاء في القرآن إذا ذكر فإنه يشمل نوعي الدعاء: دعاء العبادة ودعاء المسألة، ولهذا يوجد من أهل العلم من فسر الدعاء هنا بدعاء العبادة، فيكون المقصود يعبدوننا خوفاً وطمعاً، والآية تشمل هذا وهذا، وَيَدْعُونَنَا أي: يسألون الله - تبارك وتعالى - خوفاً وطمعاً، خائفين وراجين، وأيضاً يدعوننا خوفاً وطمعاً، خوفاً ورهباً، فدل ذلك على أن عبادة الله يدخل فيها دعاء الله بالمسألة، فلا شك أنه من أجل العبادات وأشرفها، فيدل ذلك على أن المسارعة في الخيرات والعبادة والسؤال والدعاء سبب للولد، وسبب أيضاً لإصلاح الحال، وإقامة الأخلاق، وتزكية النفوس، وما إلى ذلك من المعاني، وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ.
كل هذه الأقوال متقاربة؛ لأن السلف يفسرون اللفظة بما يقرب معناها، فتارة يفسرون ذلك بلازمه، يفسرون اللفظ بلازمه، وتارة يذكرون سبب الشيء، وما يوصل إليه، وتارة يفسرونه بجزء معناه، وتارة يفسرونه بالمثال، وتارة يفسرونه بلفظة قريبة وما إلى ذلك، لا يدققون ولا ينقرون، فهذه الألفاظ المذكورة هي لها نوع تعلق بالخشوع، لكنها لا تفسره على الحقيقة، يعني بتفسير مطابق، فالخشوع في كلام العرب يدل على التطامن والتواضع، الأرض الخاشعة تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ [سورة فصلت:39] ترتفع، يعني الأرض إذا لم يأتها الماء فهي هامدة، فإذا نزل عليها المطر ارتفعت إما ارتفعت نفس الأرض تشقق النبات في داخلها فترتفع تنتفخ بالنبات، أو أن المقصود ارتفعت بالنباتات التي تخرج عليها، بعد أن كانت - كما تشاهدون - جدباء فهي منخفضة خاشعة، فالخشوع يعني التطامن، الإنسان الخاشع هو الإنسان المنكسر المتذلل لعظمة الله ، المتطامن له -تبارك وتعالى-، فهو يدل على هذا المعنى، والحافظ ابن القيم - رحمه الله - يقول: إن الخشوع معنىً يلتئم من التعظيم والمحبة والذل والانكسار، فهو مجموع هذه الأشياء، لا نستطيع أن نفسر لفظة الخشوع بلفظة مكافئة لها تماماً تؤدي معناها، فلا يقال: الخشوع هو التطامن فقط، أو الخشوع هو التواضع فقط، وإنما ذلك من مكملاته، ومن أبعاضه وأجزائه، والحافظ ابن حجر - رحمه الله - يقول: إن هذا الخشوع يكون فعل القلب كالخشية، ويكون من فعل البدن كالسكون، ومن أهل العلم من يقول: لابد من الأمرين، وهذا صحيح، فالخشوع أصله في القلب، فإذا انكسر القلب ظهر أثر ذلك على الجوارح ولابد، ولا يمكن أن يكون القلب خاشعاً والبدن غير خاشع، لكن يمكن أن يوجد الخشوع في البدن من غير خشوع القلب، وهذا هو الذي يقال له: خشوع النفاق، والحافظ ابن رجب - رحمه الله - يقول: إن أصله هو لين القلب ورقته وسكونه، وخضوعه، وانكساره، وحرقته، فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء لأنها تابعة له، وهذا صحيح، والنبي ﷺ يقول: ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله[1]، ومن أراد الخشوع فعليه بالجوع، وأحياناً بعض القلوب تحتاج إلى مدة طويلة؛ ولهذا بعض الناس قد لا يجد الخشوع إذا جاهد وحاول إلا بعدما يعتكف في أواخر العشر الأواخر، يعني يجد الخشوع في أواخر العشر الأواخر، فيسمع الخطبة ويبكي، يسمع القرآن ويبكي، يسمع من الإذاعة ويبكي، يمر بالمكان ويسمع القارئ يقرأ ويبكي، هذا موجود، من الناس من يكون هذا ديدناً له، ومن الناس من لا يعرف هذا إلا مرة في السنة أو مرتين، ومن الناس من لا يعرف هذا أبداً، - نسأل الله العافية -، وابن القيم - رحمه الله - يقول: القلب الذي لا يلين بمواعظ القرآن حري به أن يلين في كير جهنم، فجهنم موكولة بإذابة القلوب القاسية الصلبة، فهذه القلوب تحتاج إلى تليين، والذي يقسيها هو كثرة الذنوب مع كثرة الفضول، حتى من المباح كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم [سورة المطففين:14] فلا تدخلها المواعظ، ولا ينتفع بالقرآن، يقرأ القرآن من أوله إلى آخره، ولا ينتفع به، وكثرة الفضول، فضول النوم، ينام الإنسان نوماً بعد نوم حتى يصدع رأسه، يقوم قاسي القلب هامد الهمة، وفضول المخالطة مع الناس، فلا يخشع وهو جالس طول وقته يسهر مع أصحابه ويذهب ويجيء، من استراحة، إلى خيمة إلى مجلس إلى منتدى، وإذا رجع البيت تولته القنوات، لا يوجد مجال للخشوع، ثم ينام، وهكذا فضول الضحك، فضول الكلام يتكلم كثيراً، فكل هذه الأشياء مع فضول الأكل تفسد قلب الإنسان، الإنسان معنيٌّ بإصلاح قلبه، والله لا ينجو عنده إلا من جاء بقلب سليم، فنسأل الله أن يصلح قلوبنا.
إذا لم يعظ الناس من هو مذنب | فمن يعظ الناس بعد محمد |
وإن كان الإنسان يخاف حينما يسمع قوله - تبارك وتعالى -: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ [سورة البقرة:44]، وفي قوله - تبارك وتعالى - في: لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ [سورة الصف:2]، وحديث: يؤتى بالرجل فيلقى في النار فتندلق أقتابه[2]، الشاهد أنه حينما يسأله أهل النار يقول: كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه، نسأل الله أن يصلح الأحوال والقلوب والأعمال، فهذا معنى الخشوع، إذاً هو انكسار القلب ولينه ورقته وخضوعه، وهو طمأنينة في القلب وفي البدن، بتواضع البدن، واجتماع ذلك يقال له: الخشوع.
- رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، برقم (52)، ومسلم، كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، برقم (1599)، عن النعمان بن بشير .
- رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة النار وأنها مخلوقة، برقم (3094)، ومسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله، برقم (2989)، من حديث أسامة بن زيد .