إِنّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ لَوْ كَانَ هَؤُلآءِ آلِهَةً مّا وَرَدُوهَا وَكُلّ فِيهَا خَالِدُونَ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ إِنّ الّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مّنّا الْحُسْنَىَ أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ [سورة الأنبياء:98-103].
قال - رحمه الله -: يقول تعالى مخاطباً لأهل مكة من مشركي قريش ومن دان بدينهم من عبدة الأصنام والأوثان: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [سورة الأنبياء:98] قال ابن عباس: أي: وقودها، يعني كقوله: وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [سورة البقرة:24] وفي رواية عن ابن عباس قال: حَصَبُ جَهَنَّمَ [سورة الأنبياء:98] يعني حطب جهنم بالزنجية، وقال مجاهد وعكرمة وقتادة: حطبها، وقال الضحاك: حصب جهنم أي: ما يرمى به فيها، وكذا قال غيره.
هذه الأقوال متقاربة، وإن كان لا يوجد دليل على أن هذا بالزنجية، والأصل أن هذا بالعربية، لكن قول من قال بأنه حطب جهنم، أو قول البعض بأنه ما يرمى فيها، أو يلقى فيها، كل ذلك متقارب؛ لأن حطب جهنم هو ما توقد به بمعنىً أعم، وهذا الذي مشى عليه بعض أهل اللغة، يقولون: إن معنى الحصب هو ما توقد به النار وتهيج، فالحطب الذي يلقى في النار هو الذي تتقد به، أما نار جهنم - أعاذنا الله وإياكم منها - فإن وقودها الناس والحجارة حَصَبُ جَهَنَّمَ [سورة الأنبياء:98] فهو ما يلقى فيها؛ لأنه إذا عبر عنه بالحطب فمعنى ذلك أنه الوقود لأنهم ليسوا بحطب، وأنت تقول للإنسان أحياناً تحذره من شيء أو كذا تقول: حتى لا تكون حطباً لهذه الفتنة، يعني ما توقد به هذه الفتنة، وقول من قال: ما يلقى فيها أوسع وأوضح في المعنى، لكن من عبر بالحطب هو لا يقصد أنه حطب جهنم، لكن النار التي توقد في الدنيا يقال للحطب الذي توقد به حصب، فنار جهنم لا توقد بالحطب، ولكن يصح أن يقال لمن يلقى فيها وتتقد به ويكون وقوداً لها أنه حطب لها؛ لأن العرب يتوسعون في الكلام في مثل هذا، وإذا أردت أن توسع العبارة تقول: وما يلقى فيها وتتقد به، ما تتوقد به النار هذا هو حصب جهنم إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [سورة الأنبياء:98] فهم وقودها كما قال الله : وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [سورة البقرة:24] دخول هذه الآلهة، إلقاء الآلهة في النار، وهي جمادات لا تشعر، من أي وجه؟ يكون ذلك تبكيتاً لعابديها، هي أحجار، جمادات، هي لا تتعذب بالنار، ولكن هذا فيه زجر وتبكيت لهؤلاء الذين يعبدونها، فيقال: تلقون فيها أنتم وهذه المعبودات.