الأحد 27 / ذو القعدة / 1446 - 25 / مايو 2025
كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُۥ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُۥ يُضِلُّهُۥ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقال - رحمه الله -: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ ۝ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ [سورة الحج:3-4].

يقول تعالى ذامًا لمن كذب بالبعث، وأنكر قدرة الله على إحياء الموتى، معرضا عما أنزل الله على أنبيائه، متبعًا في قوله وإنكاره وكفره كل شيطان مريد، من الإنس والجن، وهذا حال أهل البدع الضُّلال، المعرضين عن الحق، المتبعين للباطل، يتركون ما أنزله الله على رسوله من الحق المبين، ويتبعون أقوال رءوس الضلالة، الدعاة إلى البدع بالأهواء والآراء، ولهذا قال في شأنهم وأشباههم: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، أي: علم صحيح، وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ ۝ كُتِبَ عَلَيْهِ، قال مجاهد: يعني الشيطان، يعني: كتب عليه كتابة قدرية أَنَّهُ مَنْ تَوَلاهُ أي: اتبعه وقلده، فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ أي: يضله في الدنيا ويقوده في الآخرة إلى عذاب السعير، وهو الحار المؤلم المزعج المقلق.

وقد قال السدي، عن أبي مالك: نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث. وكذلك قال ابن جريج.

قوله وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ هذا يشمل - كما ذكر الحافظ ابن كثير - الذين يجادلون في الوحدانية، والنبوة، والوحي وما إلى ذلك، ويشمل أيضاً أهل البدع، الذين يجادلون بالباطل، فبدعوتهم وضلالتهم كل هؤلاء يدخلون في هذا المعنى، فكل من جادل بغير علم فهو داخل في هذه الآية، ومفهوم المخالفة أن من جادل بعلم فإنه ليس بمذموم؛ ولهذا قال الله : وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [سورة النحل:125]، وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [سورة العنكبوت:46]، يقول: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ أي: علم صحيح، وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ مريد هنا بمعنى المارد، والمريد والمارد يعني العاتي، فكل عاتٍ فهو مارد: مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ [سورة الصافات:7]، وفي رمضان أخبر النبي ﷺ أن المَردة من الشياطين تصفد[1]، والمردة يعني الكبار، الرؤساء، العتاة منهم، وقال مجاهد في قوله: وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ يعني الشيطان كُتب عليه كتابة، أي قُدر أن من تولاه فالنتيجة هي الإضلال، فالشيطان لا يهديه إلى الخير ولا يدعوه إلى هدى، وأنه من تولاه أي اتبعه وقلده، فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ استعمل الهدى في الدلالة على الضلال، وهذا معنى صحيح وهو مستعمل في القرآن، والله يقول: فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ [سورة الصافات:23]، فهو يستعمل في الخير والشر وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [سورة القصص:41]، فالهداية والدعاء وما أشبه ذلك، استعملوا في هذا وهذا كُتِبَ عَلَيْهِ، قال: فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ أي يضله في الدنيا، ويقوده في الآخرة إلى عذاب السعير، والسعير فعيل بمعنى مفعول، يعني المسعَّر، النار تتوقد وتتسعر وتتلهب وهو الحار المؤلم المقلق المزعج، قال: عن أبي مالك نزلت هذه الآية في النضر بن الحارث، وكذلك قال ابن جريج، وهذا يحتاج إلى دليلٍ صحيح أنها نزلت فيه، ومثل هذه المراسيل لا يحتج بها ولكن هذه الآية تشمل كل ما كان بهذه الصفة، ولا يختص ذلك بالنضر بن الحارث، والله تعالى أعلم .

  1. رواه النسائي، كتاب الصيام، باب ذكر الاختلاف على معمر فيه، برقم (2106)، وأحمد في المسند، برقم (7917)، وقال محققوه: إسناده ضعيف جدا، هشام بن أبي هشام - وهو هشام بن زياد القرشي أبو المقدام - متفق على ضعفه، ومحمد بن  محمد بن الأسود-وهو ابن بنت سعد بن أبي وقاص- مجهول الحال، لم يرو عنه غير هشام هذا وعبد الله بن عون، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (55).