ثم قال: وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ [سورة الحـج:51] قال مجاهد: يثبطون الناس عن متابعة النبي ﷺ، وكذا قال عبد الله بن الزبير: مثبطين.
وقال ابن عباس: مُعَاجِزِينَ مراغمين.
وهكذا قول من قال: "معاجزين" أي: ظانين أن يعجزوا الله فيفوتوه فلا يعذبهم، وهكذا قول من قال: "معاجزين" يعني: معاندين، وحمل ابن جرير - رحمه الله - قول من فسره بمثبطين على قراءة من قرأ: (معجزين)، أي مثبطين، والمقصود أن هؤلاء سعوا في آيات الله معاجزين، السعي يكون في الخير كما يكون أيضاً في الشر، الله يقول: وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ [سورة الإسراء:19] فهذا سعي في الخير، وطاعة الله، وطاعة رسوله ﷺ.
وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ [سورة الإسراء:19] هذا في الخير، وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ [سورة الحـج:51] هذا في الشر.
السعي: الإسراع في المشي، وأما قوله - تبارك وتعالى - في الجمعة: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [سورة الجمعة:9] المقصود به العمل على حضور الجمعة، والتطهر والانصراف إليها، وترك الاشتغال عنها، والعمل على حضورها.
فالسعي يكون في الخير، ويكون في الشر، ويكون في العمل المباح في الدنيا والكسب والرعاية، وما أشبه ذلك، والساعي على الأرملة واليتيم يعني الذي يقوم على شئونهما.
والمقصود بالسعي في قوله – سبحانه -: وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ [سورة الحـج:51] السعي في الشر، فهم بفعلهم هذا وبسعيهم هذا يطلبون العجز، (معاجزين) أي: يطلبون أن يعجزوا الله ، بمعنى أنهم يثبطون عن دينه، ويصدون عن سبيله، ويكذبون رسوله ﷺ بما يلقون من الشبهات، وما يحصل منهم من التعويق والتثبيط والأذى لمن آمن، فهذا كله داخل في "معاجزين"، بهذا قال الزجاج: ظانين أن يعجزوا الله فيفوتوه، ولا يعذبهم، وهذا قد يدخل في عموم المعنى "معاجزين" فهم يثبطون، ويطلبون إبطال هذا الدين، وتكذيب الرسول ﷺ، وقد يدخل فيه ما ذكره الزجاج، أي: أنهم يظنون أنهم يفوتون الله فلا يجازيهم، ولا يحاسبهم.