الأحد 11 / ذو الحجة / 1446 - 08 / يونيو 2025
ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ۚ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فِى جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

قال تعالى: وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ ۝ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ۝ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [سورة الحـج:55-57] يقول تعالى مخبرًا عن الكفار: أنهم لا يزالون في مرية، أي: في شك وريب من هذا القرآن، قاله ابن جريج، واختاره ابن جرير.

حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قال مجاهد: فجأة.

وقال قتادة: بَغْتَةً بغتَ القومَ أمرُ الله، وما أخذ الله قومًا قط إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم، فلا تغتروا بالله، إنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون.

الآن في قوله - تبارك وتعالى -: وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ [سورة الحـج:55] مِّنْهُ الضمير يرجع إلى ماذا؟ إلى ما يلقيه الشيطان، أو إلى النبي ﷺ؟ أو إلى القرآن؟ الأقرب - والله تعالى أعلم - هو ما ذكره الحافظ ابن كثير هنا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ يعني من هذا القرآن، وهذا الذي عليه عامة المحققين، أن الضمير يرجع إلى القرآن.

وقوله: أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ قال مجاهد: قال أبي بن كعب: هو يوم بدر.

وقال عكرمة ومجاهد - في رواية عنهما -: هو يوم القيامة لا ليلة له، وكذا قال الضحاك والحسن البصري؛ ولهذا قال: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ كقوله: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: 4] وقوله: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا [الفرقان: 26].

الآن هذان قولان في قوله: يَوْمٍ عَقِيمٍ [سورة الحـج:55] القول الأول: أنه يوم بدر فهو يوم عقيم لأنه لا خير لهم فيه، قتل فيه سراتهم وأشرافهم، وأسر من أسر منهم، قتل سبعون، وأسر سبعون, وولوا مدبرين، لا يلوون على شيء، فهو يوم عقيم بالنسبة إليهم، هذا القول الذي قال به أبيّ بن كعب أنه يوم بدر هو اختيار كبير المفسرين ابن جرير - رحمه الله.

وهذا القول قد يؤيده ما قد يظهر من الأصول التي يبني عليها التفسير والقواعد، أن الأصل حينما يقول الله : حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ [سورة الحـج:55] فإذا كان عذاب يَوْمٍ عَقِيمٍ هو نفس يوم القيامة فصار من قبيل التكرار، والأصل خلاف ذلك تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ يعني عذاب القيامة، فإذاً المعنى تكرر، كرره بصيغتين أو بلفظتين، والأصل أن الجملة الجديدة تؤسس معنى جديداً، فهذا توجيه لقول من قال بأنه يوم بدر.

والقول الثاني: أن المراد به يوم القيامة، وهذا تقويه قرينة في نفس الآية، وهي قوله: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ۝ وَالَّذِينَ كَفَرُوا [سورة الحـج:56 -57] هل هذا يوم بدر؟ يومئذٍ أي: يوم بدر؟ الملك لله في كل وقت، لكن هل في يوم بدر الذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم، والذين كفروا في النار؛ لأن هذا تفسير لقوله: يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ الملك يومئذٍ: في ذلك الحين، في ذلك اليوم لله يحكم بينهم، ما هذا الحكم؟ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ۝ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يكونون في النار، هذا هو الحكم، يحكم بينهم، فهذه قرينة في الآية ترجح أن المراد بقوله: أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ [سورة الحـج:55] أنه عذاب يوم القيامة، فأحياناً المعنى يتنازعه أكثر من أصل، أو أكثر من قاعدة، أو أكثر من مرجح.

فالقول الأول: المرجِّح فيه أن العذاب العقيم هذا إذا فسر بيوم القيامة كأنه تكرار، وكون اللفظ يؤسس معنى جديداً أولى.

والقول الثاني: تؤيده قرينة في الآية، والآية قد يكون فيها قولان، أو تحتمل معنيين، ويوجد فيها قرينة تؤيد أحد القولين، فقوله: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ [سورة الحـج:56] قد يقول قائل: هذا يوم بدر، الملك لله يحكم بينهم بهزيمة الكفار ونصر المؤمنين، لكنه قال: فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ۝ وَالَّذِينَ كَفَرُوا [سورة الحـج:56 -57] إذاً هذا يوم القيامة وليس يوم بدر.

هنا قال: يوم القيامة لأنه لا ليل له، وهذا قول لبعضهم، يقال: فلان عقيم لا عقب له، ولكن من قال من أهل العلم: إن "يوم عقيم" هو يوم القيامة، يعني: لأنه لا خير لهم فيه، كما قال الله في الريح التي أرسلها وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ [سورة الذاريات:41] يعني التي لا خير فيها، لا تأتي بالمطر، ولا تلقح الزرع، والشنقيطي - رحمه الله - رجح أيضاً هذا القول أن يَوْمٍ عَقِيمٍ هو يوم القيامة بناءً على القرينة هذه.

ولهذا قال: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ كقوله: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: 4] وقوله: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا [الفرقان: 26].

فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أي: آمنت قلوبهم، وصدقوا بالله ورسوله، وعملوا بمقتضى ما علموا، وتوافق قلوبهم وأقوالهم وأعمالهم.

فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ أي: لهم النعيم المقيم، الذي لا يحول ولا يزول ولا يبيد.

وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أي: كفرت قلوبهم بالحق، وجحدوا به، وكذبوا به، وخالفوا الرسل، واستكبروا عن اتباعهم فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ أي: في مقابلة استكبارهم وإعراضهم عن الحق، كقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر: 60] أي: صاغرين.