الخميس 15 / ذو الحجة / 1446 - 12 / يونيو 2025
أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى ٱلْأَرْضِ وَٱلْفُلْكَ تَجْرِى فِى ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِۦ وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِۦٓ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

وقوله: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ [سورة الحج:65] أي: من حيوان، وجماد، وزروع، وثمار. كما قال: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ [سورة الجاثية:13] أي: من إحسانه وفضله وامتنانه.

قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ "ما" هذه للعموم تعم الحيوانات والجمادات والزروع والثمار، كما قال: وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ؛ لأن ذلك صادر منه، وهذه الآية يرد فيها على النصارى، الذين يلبسون، ويشبهون، حيث يقولون: إن قوله - تبارك وتعالى - عن المسيح  "وروح منه" أنه ابن الله، أو أنه ثالث ثلاثة، فيقولون: إنه روح غير مخلوقة، وَرُوحٌ مِّنْهُ [سورة النساء:171]، ونقول فما تقولون في قوله - تبارك وتعالى -: وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ هل كل شيء هو صادر من الله، بمعنى أنه جزء من الله أم أن ذلك تبرأ منه، خلقه وأوجده وأنعم به وتفضل؟!.

وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ أي: بتسخيره وتسييره أي: في البحر العَجَاج، وتلاطم الأمواج، تجري الفلك بأهلها بريح طيبة، ورفق وتؤدة، فيحملون فيها ما شاءوا من تجائر وبضائع ومنافع، من بلد إلى بلد، وقطر إلى قطر، ويأتون بما عند أولئك إلى هؤلاء، كما ذهبوا بما عند هؤلاء إلى أولئك، مما يحتاجون إليه، ويطلبونه ويريدونه، وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ أي: لو شاء لأذن للسماء فسقطت على الأرض، فهلك من فيها، ولكن من لطفه ورحمته وقدرته يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه؛ ولهذا قال: إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ أي: مع ظلمهم، كما قال في الآية الأخرى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ [سورة الرعد:6].

وقوله - تبارك وتعالى -: وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ رد على أهل الفلك من المعاصرين الذين يزعمون أن السماء ليست بسقف ولا لها جرم، وإنما يقولون: هذا الفضاء بما فيه من غازات ونحو ذلك هو السماء، ولا يوجد هناك سقف، والله يقول: وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا [سورة الأنبياء:32]، ويقول وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ.