الإثنين 12 / ذو الحجة / 1446 - 09 / يونيو 2025
ٱلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"ولما وصفهم تعالى بالقيام بهذه الصفات الحميدة، والأفعال الرشيدة قال: أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ۝ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [سورة المؤمنون:10-11]، وثبت في الصحيحين أن رسول الله ﷺ قال: إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس، فإنه أعلى الجنة، وأوسط الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن[1].

وروى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: ما منكم من أحد إلا وله منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار، فإن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله، فذلك قوله: أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ [سورة المؤمنون:10][2] وقال ابن جريج عن ليث عن مجاهد: "أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ فالمؤمنون يرثون منازل الكفار لأنهم خلقوا لعبادة الله - تعالى - وحده لا شريك له، فلما قام هؤلاء المؤمنون بما وجب عليهم من العبادة، وترك أولئك ما أمروا به مما خلقوا له؛ أحرز هؤلاء نصيب أولئك لو كانوا أطاعوا ربهم ، بل أبلغ من هذا أيضاً وهو ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي بردة عن أبيه عن النبي ﷺ قال: يجيء ناس يوم القيامة من المسلمين بذنوب أمثال الجبال، فيغفرها الله لهم، ويضعها على اليهود، والنصارى[3]، وفي لفظ له: قال رسول الله ﷺ: إذا كان يوم القيامة دفع الله لكل مسلم يهودياً، أو نصرانياً، فيقال: هذا فكاكك من النار[4] فاستحلف عمر بن عبد العزيز أبا بردة بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات أن أباه حدثه عن رسول الله ﷺ بذلك قال: فحلف له، قلت: وهذه الآية كقوله تعالى: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا [سورة مريم:63]، وكقوله: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [سورة الزخرف:72]".

ذكر المصنف - رحمه الله - الأحاديث السابقة من باب الاستطراد، والزيادة في تقرير المعنى السابق، فلما ذكر أن لكل واحد منزلين قال: "وأبلغ من ذلك" لمّا قال: إن أهل الجنة يرثون منازل أهل النار في الجنة، والعكس، قال: "وأبلغ من هذا أنه يدفع إليهم يقال: هذا فكاكك من النار"، فلا يكون فقط وارثاً لمنزله، لكن المعنى الذي يختص بنا هو ما ذكر فيه النبي ﷺ التوارث في المنازل، فهذا الحديث السابق عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: ما منكم من أحد إلا له منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار، فإذا مات فدخل النار؛ ورث أهل الجنة منزله، فذلك قوله تعالى: أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ [المؤمنون:10] صحيح ثابت، وهو من قبيل التفسير النبوي الذي نص فيه النبي ﷺ على الآية بعينها، وهناك نوع من التفسير النبوي لا يتعرض النبي ﷺ للآية لكنه يذكر معنى، فالمفسر يربط بين الآية وبين المعنى كقوله - تبارك وتعالى -: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ [سورة الفجر:23]، فيأتي المفسر ويفسر الآية بقول النبي ﷺ: يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها[5]، فلم يتعرض النبي ﷺ للآية.

وقد يكون الارتباط غير واضح، فقد يخطئ المفسر، وقد يصيب، ولهذا يقال: إن تفسير القرآن بالسنة يدخله الاجتهاد، وخير ما يفسر به القرآن هو كلام رسول الله ﷺ.

قال ابن القيم - رحمه الله -: "والفردوس اسم يقال على جميع الجنة، ويقال على أفضلها، وأعلاها، كأنه أحق بهذا الاسم من غيره من الجنات، وأصل الفردوس البستان، والفراديس البساتين، قال كعب: هو البستان الذي فيه الأعناب، وقال الليث: "الفردوس جنة ذات كروم يقال: كرم مفردس أي معرش"، وقال الضحاك: "هي الجنة الملتفة بالأشجار"، وهو اختيار المبرد وقال: "الفردوس فيما سمعت من كلام العرب الشجر الملتف، والأغلب عليه العنب، وجمعه الفراديس ..."[6].

  1. رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير باب درجات المجاهدين في سبيل الله، يقال: هذه سبيلي وهذا سبيلي ( 4/16)، برقم: (2790).
  2. رواه ابن ماجه، كتاب الزهد، باب صفة الجنة، (2/1453)، برقم: (4341)، وصححه الألباني.
  3. رواه مسلم، كتاب التوبة، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله (4/2120)، برقم: (2767).
  4. رواه مسلم، كتاب التوبة، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله (4/2119)، برقم: (2767).
  5. رواه مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في شدة حر نار جهنم وبعد قعرها وما تأخذ من المعذبين (4/2184)، برقم: (2842).
  6. التفسير القيم لابن القيم (2/50).