الخميس 10 / ذو القعدة / 1446 - 08 / مايو 2025
وَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ مِنَ ٱلْمَآءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُۥ نَسَبًا وَصِهْرًا ۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"وقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا... الآية، أي: خلق الإنسان من نطفة ضعيفة فسواه، وعدله، وجعله كامل الخلقة؛ ذكراً وأنثى كما يشاء.

فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا فهو في ابتداء أمره ولد نسيب، ثم يتزوج فيصير صهراً، ثم يصير له أصهار، وأختان، وقرابات، وكل ذلك من ماء مهين؛ ولهذا قال تعالى: وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا".

فقوله - تبارك وتعالى -: وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا قال الحافظ هنا: يعني القرآن، جاهدهم بالقرآن، وهذا هو اختيار كبير المفسرين ابن جرير - رحمه الله -، والله - تبارك وتعالى - أمر نبيه ﷺ بمجاهدة الكافرين، والمنافقين: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ، ومعلوم أن المنافقين لم يؤمر النبي ﷺ بجهادهم بالقتال، فقول من قال هنا بأنه القرآن يقرب أيضاً من قول من قال من السلف بأن المراد به الإسلام، وَجَاهِدْهُم بِهِ أي: بالإسلام، فإن الإسلام كما هو معلوم يرجع إلى القرآن فهو المصدر الذي أنزله الله - تبارك وتعالى - على هذه الأمة، هو الكتاب المبين، والسنة شارحة لهذا القرآن.

وبعض أهل العلم يقول: وَجَاهِدْهُم بِهِ أي: بالسيف، وهذا يكون فيه الضمير الهاء في "به" قد عاد إلى غير مذكور، لا بد أن يقال: إنه يفهم من السياق، ولكنه في الواقع غير متبادر.

والأحسن هنا - والله تعالى أعلم - أن يقال: إن الضمير يرجع إلى القرآن.

فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ إذا قلنا: القرآن كذلك أيضاً الضمير يرجع إلى غير مذكور، وهكذا إذا قيل: الإسلام، ولكن الذي يتبادر - والله تعالى أعلم - هو أن المقصود بذلك: وَجَاهِدْهُم بِهِ أي: بالقرآن، وما أنزل الله عليك، وذلك أن الله - تبارك وتعالى - قال: وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا ۝ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا جاهدهم به يعني: بما أنزلنا إليك، والذي أنزله هو القرآن، هو الإسلام، جاهدهم بهذا الدين، وذلك ببيان الحق بدلائله، والرد على المبطلين، وإبطال ما يتشبثون به من شبهات، وتُرّهات يعتقدون أنها حجج، فهذا من مجاهدته؛ ولذلك فإن المنافقين في زماننا ليس هناك أقوى، ولا أنفع، ولا أجدى فيما يملكه الداعي إلى الله - تبارك وتعالى -، والعالم؛ من مجاهدتهم بالقرآن، تبين للناس حقائق الدين، والقرآن قد تضمن كل ما يحتاج إليه الناس، ولا يأتون شيئاً من الأباطيل إلا وفي القرآن ما يرد عليهم، إما صراحة، وإما ضمناً، والله - تبارك وتعالى - يقول: وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا [سورة الفرقان:33]، لا يحتجون بحجة، ولا يوردون شبهة، ولا اعتراضاً؛ إلا جئناك بالحق، وأحسن تفسيراً، فهذا من مجاهدتهم به - والله المستعان -.

وقوله - تبارك وتعالى -: وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ المرج يأتي بمعنى الخلط؛ ولهذا قال كثير من المفسرين: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ أي: خلط، وهكذا قد يأتي بمعنى الإرسال، والتخلية، يقال له مرج؛ لما قال النبي ﷺ لعبد الله بن عمرو: إذا رأيتم الناس قد مَرِجت عهودهم، وخفت أماناتهم، وكانوا هكذا، وشبك بين أصابعه..[1] ذلك بمعنى الاختلاط، وكذلك أيضاً يقال: مَرِجت عهودهم يعني: أنها تنقض، ولا يوقف عندها، ولا يكون لهؤلاء عهد، وأمان، فهنا مرج البحرين إذا قلنا: إن المرج يأتي بمعنى الخلط، فعليه يبعد أن يقال بأن قوله: وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا أي: من اليابسة؛ حاجزاً من اليابسة؛ كما قال ابن كثير هنا، فهذا ليس من الخلط في شيء، يعني: جعل بينهما فاصلاً من اليابسة، فهذه أنهار، وهذه بحار يفصل بينها أرض يابسة فلا يختلط هذا بهذا، فيبقى هذا على عذوبته، وهذا على خصائصه من الملوحة وما إلى ذلك، وقول من قال بأن المقصود به الإرسال في الواقع لا يخرج عما ذكرت، هو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا عذب، فهو يرجع إلى معنى الخلط، إذا تأملته فإنه حينما يرسل هذا على هذا فإن ذلك لا يفسد خصائص البحر الملح، ولا البحر العذب، وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا برزخ هذا هو الحاجز، منهم من يقول كما قال ابن كثير - رحمه الله -: يعني من اليابسة، لكن هذا يشكل عليه ما سبق، وإنما - والله تعالى أعلم - المراد أنه أرسل هذا على هذا، إذا قلنا بمعنى الإرسال أو التخلية - وهذا يقتضي الخلط -، فهذا القدر من المعنى قال به طائفة من السلف.

تفصيل هذه الجملة، وإن شئت أن تقول: فلسفة هذه القضية؛ ما يذكره المعاصرون أو بعض المعاصرين اليوم من صور، وأمور تتعلق بطبيعة هذا الأمر، يعني تحتمله الآية يمكن أن يكون تفسيراً لقوله: وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا والبرزخ هو الحاجز وهو الفاصل بين شيئين، ولهذا كانت الحياة البرزخية هي بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة، فبعضهم يقول: هذا البرزخ هو ماء يحمل خصائص محددة تختلف عن خصائص الماء الحلو، وخصائص الماء الملح، تعيش فيه الكائنات التي تختص به، وله بيئته، وله طبيعته، لا يتبدل، ولا يتغير، فيقولون: هذا هو الحاجز.

وبعضهم يقول: إن الماء الذي ينزل في البحار، ما يصب من مياه الأنهار يبقى محافظاً على خصائصه، ويقولون: إنهم اكتشفوا أن المياه التي تنحدر في البحر تأخذ مسارات محددة، وأنها تبقى محافظة على خصائصها؛ هكذا يقولون.

وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا بمعنى: أنه لا يكون ذلك نهاية المطاف بالنسبة لهذا الماء الحلو حينما ينزل في البحر، وإنما يبقى له خصائصه، ومساراته في داخل هذا الماء الملح، فلو كان هذا الكلام ثابتاً فيمكن أن يكون ذلك، أو بعض ذلك من تفسير ما سبق من أن البرزخ هو الحاجز، وهو حاجز لا نراه بالعين، والقول بأنه من اليابسة بعيد؛ لأنه يخالف المعنى الذي ذكره أهل العلم كابن جرير - رحمه الله - بأنه يأتي بمعنى التخلية، وبمعنى الخلط في أصل هذه المادة يعني: في كلام العرب.

إذن كيف يكون هذا البرزخ الذي بينهما؟ السلف يقولون: حاجز، تفاصيل هذه الجملة يمكن أن تكون ببعض ما يذكره المعاصرون من علماء البحار - إن ثبت ذلك -، فإنه لا يبعد أن يفسر به هذا الحاجز، فيكون ذلك من قبيل الزيادة في الفهم والتفصيل، يعني: ليس بمعنى جديد يعود إلى أقوال السلف بالإبطال، هذا هو المطلوب، لا يمكن لهؤلاء ولا لغيرهم أن يأتوا بمعنى يقولون: هذا هو معنى الآية، وإن السابقين أخطئوا في فهمه، بل هم فهموه بحسب المعطيات العلمية في عصرهم، ولكنهم فاتهم المعنى المقصود، ونحن عرفناه بما أعطانا الله وأتاح؛ من إمكانات العلم إلى آخره، ما يقولونه هذا كلام مرفوض، لا يمكن أن يخطئ السلف ، مُخطِّئوا الأمة ما يفهمون الآية، يفهمونها بطريقة غير صحيحة، ثم يأتي أحد بعد ذلك، ويقول: هذا هو المعنى الصحيح وما قبله غلط، لكن غاية ما هنالك إذا كانت الآية تحتمل، والمعنى الذي ذُكر ثابت أو القضية أو النظرية، والحقيقة إن كان ذلك من الحقائق العلمية فإنه يكون من قبيل الزيادة في الفهم؛ يعني: من قبيل التفسير، والتوضيح، والتفصيل لهذا الكلام المجمل فقط، هذه الحالة التي يمكن أن ينظر فيها في هذه الأشياء التي تذكر.

وبعضهم يقول: إن هذا الحاجز يكون بين البحر والبحر، كالخليج والبحر، عند التقاء البحار يوجد حاجز، وأنهم اكتشفوا هذا، هذا البحر له خصائصه، وهذا البحر له خصائصه، ويقولون: هذا المراد بقوله تعالى: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ۝ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ هنا مرج البحرين غير محدد حلو أو ملح، لكن هنا في قوله - تبارك وتعالى -: وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ يحتمل أن تكون هذه الآية تفسيراً لما أجمل هناك، مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يعني: أن أحدهما حلو، والآخر ملح، يحتمل هذا، ويحتمل أن يكون ذلك ليس من باب العام والخاص؛ وإنما يكون ذلك واقعاً على لون، وهذا واقع على لون آخر، يعني هذا في الحلو والملح، وذاك في البحرين مطلقاً، والبحر هو الماء الكثير المستبحر في لغة العرب، فالبحيرات يقال لها: بحر، والأنهار بهذا الاعتبار يقال لها: بحر، بنص هذه الآية: هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ فالنهر يقال له: بحر، والبحر أيضاً يقال له: بحر، وإن كان عرف الناس اليوم إطلاق البحر على الماء الملح الكثير المعروف، ويطلقون على الحلو النهر وما أشبه ذلك، لكن لا يُحمل كلام الله ، لا تحمل نصوص الشرع على اصطلاح حادث؛ فهذا لا يصح.

فالشاهد أن الآية تحتمل من هذه الوجوه بمعنى أن قوله: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يحتمل أن يكون ملحاً وحلواً بهذا الشمول، وأن الآية باقية على حالها، ويحتمل أن تكون مبيَّنة مفسَّرة بآية الفرقان هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا.

فالحاصل: أن ما يذكرونه من وجود خصائص هذا الحاجز وهو حاجز مائي، وأنه تعيش فيه كائنات معينة .. إلى آخره، لا يبعد أن يكون من جملة التفسير لهذا الحاجز، وإن كنا لا نقطع بهذا لكنه لا يعود على أقوال السلف بالإبطال، هذا مهم، وكون الماء الحلو ينزل في البحار، ويبقى يحمل خصائصه أو نحو ذلك فهم يقولون هذا، والذي يعرفه الناس منذ القدم هو أنه يوجد أيضاً في البحار عيون عذبة نابعة، وأهل البحر ممن يركبونه منذ أزمان متطاولة يعرفون هذا، حتى إنهم يبقون فيه الشهور الطويلة، وينفد ما عندهم من مياه، وأزواد، فيتزودون من البحر في طعامهم مما يستخرجون منه، ويتزودون من الماء من عيون يعرفون مواقعها في داخل البحر يملئون منها القراب، يغوصون، ويملئون قربهم من داخل البحر، هذا معروف، ويعرفه أناس قد عاينوا هذا، وعرفوه، وركبوا البحر، وقد لا يكون الواحد منهم ممن يقرأ أو يكتب من العامة لكن لهم خبرة في هذا الجانب.

هذه المعاني تُحتمل، مما يُحكى في هذا وإن كان قد يخالف في ظاهره بعض ما يذكرون من أن هذا الماء الحلو يبقى يحافظ على خصائصه يعني يبقى على عذوبته في مسارات وأوضاع داخل البحر لا تذهب به، قد يخالف ما يقوله الآخرون منهم من أن نزول المياه: مياه الأمطار، ومياه الأنهار على البحر أن ذلك يحصل به التعادل والتماسك، فيبقي البحر على خصائصه، ونسبة الملوحة فيه؛ لأنه يتبخر منه كميات كبيرة بالشمس، فلو بقي على هذه الحال لانعقد ملحاً لا تصلح الحياة به - حياة الكائنات التي تعيش داخل البحر -، فتأتي مياه الأمطار، وتأتي مياه الأنهار؛ لتعوض هذا النقص، فيبقى محافظاً على اعتداله، وطبيعته التي جعله الله عليها، والله حكيم.

وقول ابن كثير - رحمه الله -: وهذا المعنى لا شك فيه، فإنه ليس في الوجود بحر ساكن وهو عذب فرات، فابن كثير - رحمه الله - تكلم بحسب ما يعلم، وإلا فإنه يوجد بحر ساكن وهو عذب فرات، ليست فقط الأنهار هي العذبة وإنما البحيرات، وهذا مشاهد ومعروف لكنه بعيد جداً عن بيئة ابن كثير - رحمه الله - في بلاد الشام، وإلا فالبحيرات المعروفة كبحيرة فكتوريا مثلاً في أفريقيا تمر بنحو سبع دول، بحيرة ضخمة كبيرة جداً كالبحر تماماً، وقفت عليها، ورأيتها؛ بحر تماماً، فالبحر الذي تشاهده لا فرق بينه وبينها إلا أنها عذبة، الأمواج، والسفن، وهذه الأشياء التي توضع: بيان المواضع العميقة بحيث لا يتعداها أحد، يعني المنطقة عميقة بعد ذلك، وموج مضطرب تماماً، هي بحر إلا أنه في غاية العذوبة، هذا بحر ساكن، لا يقصد بالبحر الساكن أنه ليس فيه موج، وإنما يقصد أنه ليس بجار، ليس بمثابة الأنهار، هذه البحيرات ساكنة، وما ذكره هنا يقول ملح مر: مِلْحٌ أُجَاجٌ قال: أي مالح، والأفصح أن يقال: الماء الملح، ويصح لغة أن يقال: ماء مالح، لكن الأفصح أن يقال: ماء ملح، يعني: مالح، قال: ملح أي مالح مر زُعاق، فابن كثير - رحمه الله - جمع المعنيين، فإن قوله: مِلْحٌ أُجَاجٌ، بعضهم يقول: ملح أجاج أي: شديد الملوحة، وبعضهم يقول: مر، كلمة أجاج تأتي لهذا وهذا، بالغ الملوحة وبالغ المرارة.

العذب الفرات يعني: شديد العذوبة، والملح الأجاج: شديد الملوحة، ويقال أيضاً: شديد المرارة، بعضهم يقول هذا، وبعضهم يقول هذا، وابن كثير جمع المعنيين، وهذا من محاسن هذا التفسير، شديد الملوحة ملح أجاج، وهذه نسبية، يعني: إذا قارنته بالعذب الفرات فهو ملح أجاج، لكن هذا الملح الأجاج حينما تقارن بعضه ببعض فإنه يتفاوت كثيراً، ولهذا تجد الماء الذي في المحيط لا يقارن بالماء الذي في الخليج مثلاً، يعني هذا الماء الذي عندنا هنا في الخليج مثلاً هو من أكثر المياه ملوحة، أكثر البحار ملوحة في العالم يعني يتفوق عليه البحر الميت، لكنه من أشد المياه حيث إنه إذا أصاب عين الإنسان مثلاً الإنسان قد يتأذى من ذلك، بينما مياه المحيط لا يتأذى الإنسان منها إطلاقاً؛ لأن ملوحته أدنى من هذا بكثير، يعني: تسبح فيه وأنت فاتح العينين، ويصيب العين، ولا تحتاج أن تغمضها؛ ولذلك ترون أن مياه المحيطات على شواطئها أشجار بأنواعها، بينما هذا لا ينبت على شاطئه.

يقول: بحر القُلزُم وبحر اليمن ... يسمونه البحر العربي، بحر القُلزُم عرفنا أنه الأحمر، وبحر البصرة يعني: رأس الخليج العربي وما يلي البصرة يقال له: بحر قديماً، هذه أسماء قديمة، ما يلي رأس الخليج، وهو الآن لا يطل على البصرة، ولكن البصرة قديماً وتوابعها تطل على الخليج العربي على رأس الخليج العربي، وما يسمى بالكويت الآن كانت تسمى قديماً كاظمة، وهي أول منطقة فتحها خالد بن الوليد في فتوح العراق، تنظرون في أول معركة وقعت مع الفرس كانت كاظمة، فالبصرة بهذا الاعتبار بحر البصرة رأس الخليج العربي.

يقول: بحر البصرة، وبحر فارس؛ يقصد به نفس الخليج العربي في بعض تسمياته القديمة يقال له: بحر فارس، وهذه القضية الآن يعني ليست محل تسليم إطلاقاً.

ومعروف أن أطراف الخليج مما يلي بلاد فارس تسكنه القبائل العربية.

يقول: وبحر الصين، يعني: المحيط هناك، وبحر الهند ومما يليها، وبحر الروم، بحر الروم الذي هو البحر الأبيض المتوسط وما شاكل ذلك.

وما ذكره هنا يقول: ففي أول كل شهر يحصل منه مد وفيض، وابن كثير لا يخفى عليه أن منتهى المد في وسط الشهر ليلة الخامس عشر مثلاً يكون منتهى المد، هو لم يفته هذا، كلامه وما ذكر هنا صحيح، لكنه يقصد أنه يبدأ بالتدريج من أول الشهر، أول الشهر ثاني يوم يزداد قليلاً ثالث يوم، فإذا وصل إلى منتصف الشهر كان في المنتهى، ثم بعد ذلك من ليلة السادس عشر والسابع عشر يبدأ النقصان شيئاً فشيئاً فيتناهى النقصان في آخر ليلة من الشهر، فإذا بدأ الشهر من جديد بدأت عملية المد، مثل ما يقال في زيادة الليل والنهار.

فما ذكره هنا صحيح، ولا يقصد أن المد يكون في أول الشهر.

وهنا يقول: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا يعني: خلق الإنسان من نطفة ضعيفة، نطفة من الماء المهين، لقد خلقنا الإنسان من ماء مهين، وبعض أهل العلم يقول: إن المقصود هنا بالماء ما جاء في قوله - تبارك وتعالى -: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [سورة الأنبياء:30]، مع أن الآية الأخرى: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ  اختلفوا في المراد بالماء: هل هو النطفة، هل هذا باعتبار المخلوقات التي تخلق من النطف، أو أنه الماء الذي يقوم به قوام الحياة يشرب منه الإنسان، والحيوان، وما إلى ذلك؟

فالشاهد: أن قوله - تبارك وتعالى -: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا الأقرب أن يكون المراد به النطفة؛ لأن المقصود هنا بيان القدرة على الخلق، هذا الماء الذي هو ماء مهين خُلق منه الإنسان يصير بعد ذلك إلى مخلوق آخر، ويكون نسباً، وصهراً، فهنا يقول ابن كثير - رحمه الله -: فهو في ابتداء أمره ولد نسيب، يعني: له نسب، فلان بن فلان، هذه أمه، وهذا أبوه ينتسب إلى أجداده، ثم يتزوج فيصير صهراً، يعني باعتبار الإنسان المعين، خلق من الماء بشراً، فجعل هذا البشر نسباً: فلان بن فلان، وصهراً بعد ذلك في الحال الثانية لمّا يتزوج يكون له أصهار، فهذا أبو زوجته، وهذه أم زوجته، وهذا حمٌوه .. وما أشبه هذا، فهذا الذي ذكره الحافظ ابن كثير، وبعض أهل العلم كالضحاك، وابن جرير ذكر بأن النسب هو المذكور في قوله - تبارك وتعالى-: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ [سورة النساء:23] هذه السبع محرمات من النسب، وخمس محرمات من جهة المصاهرة فقال: وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ إلى آخر ما ذكر، فالعلاقة إما أن تكون بالنسب، أو بالمصاهرة، هكذا قال ابن جرير - رحمه الله - وسبقه إلى هذا القول الضحاك، وهذا لا يخالف ما قاله ابن كثير، فابن كثير بيّن أصل المعنى، وهؤلاء ذكروا هذه التفاصيل: المحرمات من النسب، والمحرمات من الرضاع فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا.

  1. رواه أبو داود، كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، برقم (4343)، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب التثبت في الفتنة، برقم (3957)، وأحمد في المسند، برقم (6987)، وقال محققوه: "إسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح غير هلال بن خبّاب، فقد روى له أصحاب السنن، وهو ثقة، أبو نُعيم: هو الفضل بن دكين"، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (205)، وفي صحيح الجامع، برقم (3259).