"ولهذا قال تعالى: فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا أي: فلما أتاها رأى منظرًا هائلاً عظيمًا، حيث انتهى إليها والنار تضطرم في شجرة خضراء، لا تزداد النار إلا توقدًا، ولا تزداد الشجرة إلا خضرة، ونضرة، ثم رفع رأسه فإذا نورها متصل بعنان السماء.
قال ابن عباس وغيره: لم تكن نارًا؛ إنما كانت نورًا يَتَوَهَّج.
وفي رواية عن ابن عباس: نور رب العالمين، فوقف موسى متعجبًا مما رأى، فنودي أن بورك من في النار؛ قال ابن عباس: "أي تقدّس".
"وَمَنْ حَوْلَهَا أي: من الملائكة" قاله ابن عباس، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة".
قوله - تبارك وتعالى -: نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا قال: أي من الملائكة، بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ كما مضى في الأثر المروي عن ابن عباس - ا - أنه قال: إنها كانت نوراً، وقال بهذا جماعة من السلف، وليس محل اتفاق، فإن بعضهم حمله على ظاهره، وليس المقصود النور، وجاء في بعض القراءات غير المتواترة أن بوركت النار، وهذه مروية عن ابن عباس - ا -، وهي مروية عن بعض التابعين كمجاهد، وتنسب إلى أبيّ بن كعب - رضي الله تعالى عن الجميع -، أن بوركت النار ومن حولها فهذه يمكن أن يفسر بها قوله - تبارك وتعالى -: أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ يعني بوركت النار، وبعضهم يقول: المراد بـ بورك من في النار أي بورك على من في النار، وليس المقصود من بداخل النار؛ وإنما من يقف عليها وهو موسى ﷺ، وهذا قول ابن جرير، بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ يعني على من في النار، أي من يقف عندها، يقف عليها، أو على من في قرب النار، ليس المقصود من في داخلها، وفي وسطها؛ على هذا القول، وبعضهم - وهو مروي عن بعض التابعين - يقول: إنه كان في داخلها ملائكة، بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ يعني من الملائكة، وإنها نور وليست بنار، وبعضهم يقول: إن هذا نور الله - تبارك وتعالى - فقال فيه ما قال: بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وليس المقصود أن الله في هذا المكان، أو في داخل هذه النار؛ إنما باعتبار أن هذا نوره هكذا فسره بعض السلف بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ أي الله، لكنهم بيَّنوا المراد بأن المقصود بذلك نور الله ، وهذا مروي عن بعض التابعين كالحسن البصري وغيره، وقول أكثر المفسرين: إن النار هنا يقصد بها النور بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا يقولون: ملائكة، ومن يقول: إن المقصود بذلك نور الله - تبارك وتعالى - يكون الذي حولها موسى ﷺ، ومن يصدق عنه ذلك يعني أنه حول النار.
يشير هنا إلى أنه لا يُفهم من قول: بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ أي الله مثلاً أن المقصود بذلك أن الله في هذا المكان، أو في داخل هذه النار فقال: فإن الله لا يحيط به شيء من مصنوعاته وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [سورة البقرة:255] المبين لجميع المخلوقات، يعني أنه مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه - تبارك وتعالى -.