الجمعة 25 / ذو القعدة / 1446 - 23 / مايو 2025
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَٰٓأَيُّهَا ٱلْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِى فَأَوْقِدْ لِى يَٰهَٰمَٰنُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجْعَل لِّى صَرْحًا لَّعَلِّىٓ أَطَّلِعُ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّى لَأَظُنُّهُۥ مِنَ ٱلْكَٰذِبِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

"يقول الله - تعالى -: وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ۝ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ ۝ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ۝ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ ۝ وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ [سورة القصص:38-42].

يخبر تعالى عن كفر فرعون، وطغيانه، وافترائه في دعوى الإلهية لنفسه القبيحة - لعنه الله - كما قال تعالى: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ [سورة الزخرف:54]، وذلك لأنه دعاهم إلى الاعتراف له بالإلهية فأجابوه إلى ذلك بقلة عقولهم، وسخافة أذهانهم؛ ولهذا قال: يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي، وقال تعالى إخباراً عنه: فَحَشَرَ فَنَادَى ۝ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى ۝ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأولَى ۝ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى [النازعات:23-26] يعني: أنه جمع قومه ونادى فيهم بصوته العالي مُصَرِّحاً لهم بذلك، فأجابوه سامعين، مطيعين، ولهذا انتقم الله - تعالى - منه، فجعله عبرة لغيره في الدنيا، والآخرة، وحتى إنه واجه موسى الكليم بذلك فقال: لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ [سورة الشعراء:29].

وقوله: فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى أي: أمر وزيره هامان، ومدبر رعيته، ومشير دولته؛ أن يوقد له على الطين، ليتخذ له آجُرًّا لبناء الصرح - وهو القصر المنيف الرفيع - كما قال في الآية الأخرى: وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأسْبَابَ ۝ أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ [سورة غافر:36-37]، وذلك لأن فرعون بنى هذا الصرح الذي لم يُرَ في الدنيا بناء أعلى منه، إنما أراد بهذا أن يظهر لرعيته تكذيب موسى فيما زعمه من دعوى إله غير فرعون؛ ولهذا قال: وَإِنِّي لأظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ أي: في قوله إن ثَمَّ ربًّا غيري، لا أنه كذبه في أن الله أرسله؛ لأنه لم يكن يعترف بوجود الصانع فإنه قال: وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ [سورة الشعراء:23]، وقال: لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ، وقال: يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي وهذا قول ابن جرير".

فقوله: فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى يقول الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: يعني أمر وزيره هامان، ومدبر رعيته، ومشير دولته؛ أن يوقد على الطين يعني أن يتخذ له الآجُر وهو الطين المطبوخ بالنار، قال: لبناء الصرح وهو القصر المنيف الرفيع العالي هذا هو المشهور من أقوال المفسرين: أن الصرح هو القصر المرتفع، وابن جرير - رحمه الله - يفسر الصرح بكل بناء مسطح، فهو صرح، والقصر من ذلك، فالقصر داخل في هذا المعنى، وتفسير ابن جرير - رحمه الله - أوسع مما ذكره كثير من أهل اللغة، والمفسرين، إلا أنه لا يخالف ما ذكر، الصرح القصر، وكل بناء مسطح فهو قصر، وقوله: فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ، لَعَلِّي أَطَّلِعُ الاطلاع هنا يحتمل أن يكون بمعنى الطلوع يعني أصعد تقول: اطلَعَ بمعنى طلعَ، وارتفع، وصعد، تقول: اطلع إلى السطح يعني صعد، ويأتي الإطلاع بمعنى النظر، والمشاهدة، لَعَلِّي أَطَّلِعُ تقول: طالع كذا، واطلع على كذا، اطلعت على الكتاب يعني طالعته، ونظرت فيه، وتقول: اطلعت على دار فلان يعني نظرت وما شابه فهي تأتي لهذا المعنى، ولهذا المعنى، ولذلك فإن بعض أهل العلم فسرها بالصعود لَعَلِّي أَطَّلِعُ يعني أصعد إلى إله موسى، وفسرها بعضهم كابن جرير بالنظر إلى معبود موسى - عليه الصلاة والسلام -، وبين القولين ملازمة - والله تعالى أعلم -؛ وذلك أن اطلاعه إذا فسر بمعنى الصعود فهو يريد أن يرتفع من أجل أن يرى الله - تبارك وتعالى -، فلو فسرت هذه بالمعنيين لم يكن ذلك بعيداً - والله تعالى أعلم ­-، فإنها تأتي لهذا وهذا بمعناها، فهو وضع هذا البناء، أو أراد أن يقام هذا البناء الرفيع من أجل أن يصعد أن يرتفع عليه هذا هو المقصود، وهذا الصعود، وهذا الارتفاع< من أجل النظر أن ينظر إلى رب موسى - عليه الصلاة والسلام -، والعلم عند الله .