الخميس 03 / ذو القعدة / 1446 - 01 / مايو 2025
يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِن تُطِيعُوا۟ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰٓ أَعْقَٰبِكُمْ فَتَنقَلِبُوا۟ خَٰسِرِينَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

قال المفسر - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ ۝ بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ۝ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ۝ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ۝ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [سورة آل عمران:149-153].
"يحذر تعالى عباده المؤمنين عن طاعة الكافرين، والمنافقين، فإن طاعتهم تورث الردى في الدنيا والآخرة، ولهذا قال تعالى: إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ [سورة آل عمران:149]."

مرات الإستماع: 0

"إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران:149] هم المنافقون، الذين قالوا في قضية أحد ما قالوا، وقيل: مشركو قريش، وقيل: اليهود".

هذا نهي من الله - تبارك، وتعالى - جاء بهذه الصيغة، فيما يؤول إليه طاعة الكفار إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ۝ بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ [آل عمران:149 - 150] فهذا يدخل فيه طاعة الكفار، فيما يشيرون به، ويدخل فيه أيضًا طاعة الكفار فيما يطالبون به أهل الإيمان، فهم لن يقفوا عند حد، فذكر الله الغاية هنا: إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ هذه هي النتيجة فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ فيكون ذلك سببًا لخسارةً محققة حيث ترجون: الظفر، والظهور، والتمكين، ونحو ذلك، وإنما هي خسارة محققة.

قال: بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ يعني هو الذي ينصركم، ويتولى أمركم وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ثم قال لهؤلاء الكفار الذين تحسبون لهم حسابًا: سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا [آل عمران:151] هذا في الدنيا، وأما في الآخرة: وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ [آل عمران:151].

وذكر لهم شاهدًا من هذا: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ [آل عمران:152] والحس: هو القتل الذريع بِإِذْنِهِ [آل عمران:152] بالإذن الكوني، والإذن الشرعي حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ إلى آخره، هذا كان في واقعة أحد، قتلوا سبعين من المشركين، وانتصروا، وانهزم المشركون، حتى وقع ما وقع من المخالفة، فتحول ميزان المعركة.

إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا ويدخل في هذا: من كان كافرا في الباطن كالمنافق؛ ولهذا يقول الله في أول سورة الأحزاب: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ۝ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [الأحزاب: 2،1] لما نهاه عن طاعتهم، فماذا يفعل؟ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ كل ما يوحى إليك، لا تترك شيئًا من ذلك إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ثم كان المتوقع أنهم ما يوصلون إليه الأذى، قال: وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا [الأحزاب:3] فهذه آيات ثلاث جامعة لمعانٍ كبار.