الأحد 28 / شوّال / 1446 - 27 / أبريل 2025
قُلْ يَٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَآءُ ۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ

المصباح المنير التسهيل في علوم التنزيل لابن جزي
مرات الإستماع: 0

"قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ ۝ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [سورة آل عمران:98-99].
هذا تعنيف من الله تعالى لكفرة أهل الكتاب على عنادهم للحق، وكفرهم بآيات الله، وصدهم عن سبيله من أراده من أهل الإيمان، بجهدهم، وطاقتهم مع علمهم بأن ما جاء به الرسول حق من الله بما عندهم من العلم عن الأنبياء الأقدمين، والسادة المرسلين - صلوات الله، وسلامه عليهم أجمعين -، وما بشروا به، ونوهوا به من ذكر النبي الأمي، الهاشمي، العربي المكي سيد ولد آدم، وخاتم الأنبياء، ورسول رب الأرض، والسماء، وقد توعدهم الله على ذلك بأنه شهيد على صنيعهم ذلك، بما خالفوا ما بأيديهم عن الأنبياء، ومقابلتهم الرسول المبشر به بالتكذيب، والجحود، والعناد، فأخبر تعالى أنه ليس بغافل عما يعملون، أي: وسيجزيهم على ذلك يوم لا ينفع مال، ولا بنون".

يقول -تبارك، وتعالى-: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا [سورة آل عمران98-99]: قوله: تَبْغُونَهَا عِوَجًا أي: معوجة، والمعنى أنكم تطلبون لها اعوجاجاً، وميلاً عن القصد.
وقوله: وَأَنتُمْ شُهَدَاء، بعض أهل العلم يقول: أي عقلاء، وبعضهم يفسرها بمعنى عدول عند أهل ملتكم، والعدل لا يحصل منه مثل هذا الكتمان، والتلبيس، فهم يكتمون الحق يبغونها عوجاً أي: مائلةً معوجةً عن سبيل القصد بما كتموا، وحرفوا، وبدلوا، وغيروا، وكذبوا.
والأقرب - والله تعالى أعلم - أن قوله: وَأَنتُمْ شُهَدَاء المراد به: وأنتم تشهدون على صدق ما جاء به الرسول -ﷺ، وأن هذا القرآن من عند الله، وأنهم يجدون ذلك عندهم في كتبهم، فهم يعرفون ذلك، ويستيقنونه، كما دل عليه القرآن في مواضع نحو قوله تعالى: يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ [سورة البقرة:146] فقوله: وَأَنتُمْ شُهَدَاء أي على صحة، وصدق ما جاء به الرسول ﷺ.
والحافظ ابن كثير - رحمه الله - لم يتعرض لهذا في الأصل، وعلى كل حال هذا القول الأخير هو اختيار ابن جرير - رحمه الله -، والله أعلم -.

مرات الإستماع: 0

"لِمَ تَصُدُّونَ [آل عمران:99] توبيخٌ أيضًا، وكانوا يمنعون الناس من الإسلام، ويرومون فتنة المسلمين عن دينهم سَبِيلِ اللَّهِ هنا الإسلام تَبْغُونَهَا عِوَجًا [آل عمران:99] الضمير يعود على السبيل، أي: تطلبون لها الاعوجاج."

تطلبون لها الاعوجاج يعني تطلبون تَبْغُونَهَا عِوَجًا [آل عمران:99] يعني: زيغًا، وتحريفًا، واعوجاجًا في الدين، عِوجًا، وهو بالكسر يُقال: فيما كان العِوج الفرق بين العِوج، والعَوج، بعضهم يقول: بأنه بالكسر فيما كان في أرض، أو دين، أو معاش، عِوج، وبالفتح يُقال: فيما ينتصب كالحائط فيه عوج، والعود، ونحو ذلك، ومنهم من خص المكسور بالمعاني عِوج في الرأي، والدين، والمفتوح بالأعيان عَوج رمح، عَوج، وهكذا بناءٌ عَوج فيه عَوج، والمعنى تطلبون لها، تبغونها عِوج تطلبون لها اعوجاجًا، وميلًا عن القصد، والاستقامة بإيهامكم الناس أنها كذلك.

"وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ [آل عمران:99] أي: تشهدون أن الإسلام حق."

تشهدون أن الإسلام حق تشهدون أن هذه السبيل سبيل الله، أنها دين الله الذي لا يقبل من أحدٍ سواه، كما يقول ابن جرير - رحمه الله -[1] وبعضهم يقول: وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ أي عقلاء، وبعضهم يقول: وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ الشهداء بين أهل دينكم مقبولون عندهم، وكأن ما ذكره ابن جرير - رحمه الله - أقرب. 

  1. تفسير الطبري (5/626).