الخميس 27 / جمادى الآخرة / 1447 - 18 / ديسمبر 2025
ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ ٱلَّذِى عَمِلُوا۟ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ۝ قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ [سورة الروم:41-42].

قال ابن عباس، وعِكرمة، والضحاك، والسُّدِّي، وغيرهم: المراد بالبر هاهنا: الفَيَافي، وبالبحر: الأمصار والقرى، وفي رواية عن ابن عباس وعكرمة: البحر: الأمصار والقرى ما كان منها على جانب نهر.

وقال آخرون: بل المراد بالبر هو البر المعروف، وبالبحر: البحر المعروف.

تأملوا في أقوال كثير من السلف ممن ذكر، وغير هؤلاء قالوا: البر الفيافي يعني الصحراء، وليس المقصود اليابسة، والبحر الأمصار والقرى بإطلاق، المدن يعني والقرى سواء كانت على بحر أو نهر أو لم تكن، والقول الآخر بقيد يعني ما ذكر عن ابن عباس - ا - وعكرمة البحر والأمصار ما كان منها على جانب نهر، وبعضهم يقول: ما كان على جانب نهر وبحر يعني المدن الساحلية أو التي تكون على مجاري الأنهار على جوانب الأنهار، هل نقول القول الأول مطلق والثاني مقيد؟ يعني من قال: إن البر هو الفيافي، والبحر هو الأمصار، القول الآخر الأمصار التي تكون على البحر سواء كان هذا البحر عذباً - يعني الأنهار -، أو ملحاً - البحر المعروف -، هل نقول الأول مطلق والثاني مقيد فهو يوضحه فنحمل المطلق على المقيد؟ إذا كان لقائل واحد يحمل مطلق كلامه على مقيده، أما إذا كانت هذه أقوالاً فهذه معانٍ وتفسيرات متنوعة مختلفة، فإذا كانت لقائلين فلا نحمل المطلق على المقيد، يعني حينما تقول: التي على البحر هي المدن الساحلية، ويقول آخر: إنها المدن والقرى مطلقاً، هل نقول: هذا مطلق، وهذا مقيد فنحمل المطلق على المقيد؟ ما يرضى إذا كان لقائلين، أنا أقول: إن كان القائل واحداً كلامه المطلق يفسر بالمقيد، فننظر إلى هذه الأقوال فإذا وجدناها لقائل واحد يمكن أن نفسر هذا بهذا، فنقول المطلق محمول على المقيد مع العلم بأن من أهل العلم من يقول: إن العرب تسمي الأمصار بحراً، هكذا ما قيدوه بكونه على بحر أو نهر، يقولون: العرب تسمي الأمصار بحراً، وهذا المعنى أشار إليه بعض المفسرين كابن جرير - رحمه الله - لا أعني أنه اختاره بالتحديد، ولكن أشار إلى هذا المعنى: أن العرب تقول للأمصار هكذا بحر، ومن ثَمّ لا يقول قائل مثلاً على هذا الاعتبار، لا يحتج عليهم على من فسر البحر بالأمصار والبر بالفيافي ما يقول هذا، الظاهر المتبادر - والله أعلم - أن البر هو الصحراء والبحر هو اليابسة والبحر هو البحر المعروف سواء كان الحلو أو الملح هذا هو البحر، فكونه يفسر بالأمصار هذا خلاف الظاهر المتبادر، والأصل ألا يفسر القرآن إلا بما كان ظاهراً متبادراً ولا يحمل على معنى خفي أو قليل إلا بدليل، فهؤلاء سيقولون: هذا عند العرب معروف إذا قالوا: البحر يقصدون الأمصار؛ ولهذا تجد كثيراً من أهل العلم يفسرونه بالأمصار والقرى ونحو ذلك، والبر بالفيافي أي التي ليس فيها عمران، الأرض غير المعمورة فهذا معنى قال به الكثير من أهل العلم، وبعضهم يقول: البر هو البر المعروف يعني اليابسة، والبحر هو البحر المعروف، وابن جرير - رحمه الله - يقول: بنوعيه، ما عندنا دليل على تخصيص الملح مثلاً أو الأنهار! يقول: البحر يحمل على هذا وهذا، لكن المقصود بذكر البحر ما جاوره يعني المدن التي على شواطئ البحار فيكون ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ في البر في المدن غير الساحلية مثلاً والفيافي، والبحر المدن الساحلية أو التى على الأنهار باعتبار ذكر المجاور، هذا احتمال لكن لا تدعو إليه ضرورة؛ ولهذا يمكن أن يقال - والله تعالى أعلم -: إن قوله - تبارك وتعالى -: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ على إطلاقه، فظهر الفساد في البر في اليابسة بما فيها من عمران وخلاء، - والفساد بنوعيه - وظهر أيضاً في البحر بنوعيه سواء كان عذباً أو ملحاً، وهذا الفساد الذي ظهر أيضاً بنوعيه الأول: ما كان من فعل ابن آدم، من جنايات ابن آدم، جنايات ابن آدم مثل المعاصي وأعظم من ذلك الشرك بالله   ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ كأن الذين قالوا: إن البحر المقصود به المدن التي على البحار أو نحو ذلك كأنهم استشكلوا أن يظهر ذلك في نفس البحر، والواقع لا إشكال فيه، فالبحر تظهر فيه مثل هذه الأشياء الفساد والعري والتفسخ ومحاربة الله  ورسوله وأكثر الفساد اليوم يقع في البحر مدن وجزر تُشترى أو تستأجر أو نحو ذلك ،ويقام فيها ما الله به عليم! ويأتيها الناس من أصقاع الأرض ويوجد أماكن فجور وفساد عائمة فيها كل الفساد من الزنا والمراقص والخمور والمعازف وما إلى ذلك هذا موجود فـظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ هذا نوع من الفساد الذي هو جنايات ابن آدم الشرك وما دونه.

 والنوع الثاني: ما كان من فعل الله  جَزَاء وِفَاقًا [سورة النبأ:26] فالذي ظهر من هذا النوع الثاني في البر والبحر: الجفاف في البر، القحط، تموت الزروع، تموت الدواب والبهائم، تقل المياه تغور تتغير تتحول لا تصلح للشرب، تحصل فيضانات في الأنهار، ويحصل مثل ذلك في البحار، ويحصل من جنايات ابن آدم ما يحصل للناس من عقوبات بسبب ذلك، أعاصير، براكين، زلازل وغير ذلك من الآفات، فهذه جنايات ابن آدم بأنواعها يحصل من جرائها كوارث، فهي أمور متلازمة، وإذا نظرت اليوم حينما يتحدثون عن التلوث فمِن فِعل الناس، انظر الآن إلى الكلام الكثير الذي يدور عن مثل هذه الإصابات في ألمانيا وأسبانيا في الخضراوات أو بعض أنواعها، بكتيريا قاتلة أصابتهم بالهلع والفزع إن لم تكن مصطنعة أعني هذه الهالة، يأتون بأنفلونزا الخنازير جديدة بعدُ، فالشاهد أن مثل هذه الأشياء من أين تأتي؟ من جنايات، جَزَاء وِفَاقًا على جنايات الناس، لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا التسرب الآن في اليابان بهذه المفاعلات وكون ذلك يحصل بالجو وتنقله السحب والهواء، ويحصل في البحر أيضاً حينما تفرق المياه في البحر ثم ينتقل ولو بعد سنين إلى الأماكن البعيدة، ويؤثر هذا من النفايات الضارة وما إلى ذلك تلقى هنا وهناك في البلاد التي تحصل فيها الحروب ويستضعف أهلها ثم يبقى على أجيال، تشويه في الأجنّة وسرطانات وأمراض وعلل لا يعلم بها إلا الله ، وجفاف في الأرض، وفساد بالمحاصيل، والأراضي الزراعية وأشياء كثيرة هذا كله داخل في هذا المعنى - والله أعلم -، ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ فالفساد بنوعيه ما كان من فعلهم، وما كان من فعل الله بهم {جَزَاء وِفَاقًا} والبر والبحر يشمل هذا وهذا أعني اليابسة والبحار الحلوة والمالحة، - والله تعالى أعلم -،  فيحصل بسبب ذلك نقص الثمرات والأموال كل هذه المعاني التي ذكرها أهل العلم داخلة فيه، - والله تعالي أعلم -، وإن كان حمله بعض أهل العلم على هذا وهذا، يعني بعض أهل العلم حمله على المعنيين وهذا هو الأقرب - والله أعلم -، وبعضهم يحمله على أحد المعنيين، وابن جرير مثلاً يحمله على الأول الذي قال عنه ابن كثير هنا على القول الأول معنى ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ بأن النقص بالزروع والثمار بسبب المعاصي، يعني الفساد الذى هو المعاصي ورأس ذلك الشرك بالله ، لكن يبقى المعنى الثاني ما كان جزاءً على هذه المعاصي، وما شكوه الناس من قلة ذات اليد الكوارث الاقتصادية، والمحن المتتابعة عليهم إنما هي بما كسبت أيديهم.

وقال زيد بن رُفَيْع: ظَهَرَ الْفَسَادُ يعني: انقطاع المطر عن البر يعقبه القحط، وعن البحر تعمى دوابه. رواه ابن أبي حاتم.

وقال: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري، عن سفيان، عن حميد بن قيس الأعرج، عن مجاهد: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، قال: فساد البر قتل ابن آدم، وفساد البحر أخذ السفينة غصبا.

هذا القول عن مجاهد وهو إمام في التفسير، وبعض المفسرين يستهجن هذا القول ويرده بقوة، ويستبعده غاية الاستبعاد، لكن لو تأملت هذا القول هل يحتاج إلى مثل هذا الاستهجان والرد بهذه الطريقة؟! تأمل في كلام مجاهد - رحمه الله - يقول: فساد البر قتل ابن آدم، وفساد البحر أخذ السفينة غصبا. هنا يفسر الفساد بجنايات ابن آدم فيكون من قبيل التفسير بالمثال، فقتل ابن آدم هذا فساد مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا [سورة المائدة:32] فهو يمثل لهذا يقول: في البر مثل قتل ابن آدم، وفي البحر وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا [سورة الكهف:79] الآن هذه من القرصنة التي تكون في البحر هذا من الفساد في البحر، ولذلك لا نحتاج أن نقول: ليس هناك ما يلزمنا أو يحوجنا إلى تفسير البحر - كما قلت - بالمدن والقرى الساحلية.

وعلى القول الأول معنى قوله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ أي: بان النقص في الثمار والزروع بسبب المعاصي.

وقال أبو العالية: مَنْ عصى الله في الأرض فقد أفسد في الأرض؛ لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة؛ ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود: لَحَدٌّ يقام في الأرض أحبّ إلى أهلها من أن يُمطروا أربعين صباحا[1]، والسبب في هذا أن الحدود إذا أقيمت انكف الناس - أو أكثرهم، أو كثير منهم - عن تعاطي المحرمات، وإذا ارتكبت المعاصي كان سببا في محاق البركات من السماء والأرض؛ ولهذا إذا نزل عيسى ابن مريم ، في آخر الزمان فحكم بهذه الشريعة المطهرة في ذلك الوقت، من قتل الخنزير وكسر الصليب ووضع الجزية - وهو تركها - فلا يقبل إلا الإسلام أو السيف، فإذا أهلك الله في زمانه الدجال وأتباعه ويأجوج ومأجوج، قيل للأرض: أخرجي بركاتك، فيأكل من الرمانة الفئَامُ من الناس، ويستظلون بقَحْفها، ويكفي لبن اللّقحة الجماعةَ من الناس، وما ذاك إلا ببركة تنفيذ شريعة رسول الله ﷺ، فكلما أقيم العدل كثرت البركات والخير؛ ولهذا ثبت في الصحيح: إنَّ الفاجر إذا مات تستريح منه العباد والبلاد، والشجر والدواب[2].

هذا الحديث المرفوع في صحيح البخاري وهو المشهور: المستريح والمستراح منه، ثم بين النبي ﷺ ذلك بهذا تستريح الناس منه والدواب والشجر والبلاد والعباد كلهم يستريحون من الفاجر؛ لأنه يفسد ويؤذي.

وروى الإمام أحمد بن حنبل عن أبي قحذم قال: وجد رجل في زمان زياد - أو ابن زياد - صرة فيها حَبّ، يعني من بر أمثال النوى، عليه مكتوب: هذا نبت في زمان كان يعمل فيه بالعدل"[3].

هذا الأثر في مسند الإمام أحمد ذكره بعد حديث، ولكنه لا يصح من جهة الإسناد، لا يثبت، في بعض رواياته: ووجد في خزائن بني أمية صرة مكتوب فيها أو مكتوب عليها "هذا يخرج أيام العدل"، وكان بعض أهل العلم كأنه يقول: إن ذلك لعله كان في عهد عمر بن عبد العزيز، فالله تعالى أعلم، ولكنه جاء في بعض ألفاظه كما عند أبي شيبة لكن من نفس هذا الطريق عن أبي قحذم أنه وجد في خزائن كسرى لما دخلوا المدائن وأخذوا كنوز كسرى، وفتحوا خزائنه وجدوا مثل هذه الصرة، ولكن الكتابة التي ذُكرت: أن هذا ما قال: يخرج أيام العدل، وإنما يخرج حينما كان يطاع الله أو عبارة نحو هذه، لم يذكر العدل، وليس معنى ذلك أن الفرس كانوا أهل عدل، أو أنهم كانوا يطيعون الله لكن لو صح هذا فإنه يكون مما وجدوه يعني في مكان يطاع الله فيه، قد يقول: ومعروف أنه كان عندهم في بيت المال عند الفرس وجد الصحابة رجلاً ميتاً يقال: إنه دانيال وإنه أُخذ من أيام بُخْتُنَصّر عندما خرّب بيت المقدس وأخذ من أشراف بني إسرائيل وخيارهم وذهب بهم إلى بلاد فارس، ويزعمون أنه دانيال ونحن لا نعلم في الكتاب ولا في السنة ما يُثبت نبيًّا بهذا الاسم، يذكرونه في أنبيائهم ويقولون: إنهم رأوا منه ما يدل على كرامته على الله ، فلما مات كان الفرس بعد ذلك إلى أن دخل الصحابة بلاد فارس وفتحوها كانوا إذا أجدبوا خرجوا بجنازته من يأت المال فيستمطرون بذلك، يستسقون به، وأن الصحابة لم يجدوه قد تغير منه شيء، كما هو، كأنه نائم إلا شعرات ونحو ذلك في قفاه، وأنهم سألوا عمر وأمرهم أن يحفروا قبوراً وأن يدفنوه في واحد منها ليلاً، ويغيروا قبره، لئلا يعظم، فالشاهد أن هذا لو صح يعني هذه الصرة التي فيها الحب، وأنها وجدت عند الفرس، - وما ذكر هنا عند وقت ابن زياد إلى آخره ليس المقصود أنه حب ظهر في وقت زياد، وإنما وُجد مثل هذا وأنه لِمَا كان قبله -، فلو صح مثل هذا وأنه كان عند الفرس يعني في بيت المال فلا يعني هذا أنهم كانوا بهذه المثابة من العدل وطاعة الله ، ولكن الحكاية من أصلها لا تثبت مع أنها لا تخلو من غرابة، يعني في زمن النبي ﷺ وهو في منتهى العدل! وكان الحب عندهم البر بقدر النوى، وهناك الحب مثل الحب الذي عندنا اليوم، والنبي ﷺ أخبر عن ظهور البركة وأن الفئة من الناس يستظلون بقحف الرمانة يعني القشرة، ولبن اللقحة يكفي جماعة من الناس، هذا في آخر الزمان لما يقال للأرض: أخرجي بركتكِ فتخرج بركتها، - فالله تعالى أعلم -، لكن أيام العدل لا شك أنه تحصل بركات، لكن يصير الأمر إلى هذا الحال حب البر يصير مثل النوى في عهد عمر بن عبد العزيز! هذا مثله ينقل بالتواتر، ولو حصل مثل هذا لخضع الناس للعدل خضوعاً كاملاً، ولحملوا عليه الحكام والخلفاء والملوك بكل ما يستطيعون، لو رأى الناس الأمور بهذه الطريقة البر مثل النوى، والرمانة تكون بحجم غير ما نشاهده هنا، لا ننكر أثر العدل، وأثر تقوى الله في خروج البركات، هذا عمر لا ينكر لكن بهذه الصورة فقد يكون هذا فيه من المبالغة ما فيه، والإمام أحمد - رحمه الله - ذكره بعد حديث، وليس هذا من طريقته في المسند أصلاً يسند إلى رسول الله ﷺ.

وَقَوْلُهُ: لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ أَيْ: يَبْتَلِيهِمْ بِنَقْصِ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ، اخْتِبَارًا مِنْهُ، وَمُجَازَاةً عَلَى صَنِيعِهِمْ، لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ أَيْ: عَنِ الْمَعَاصِي، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [سورة الأعراف: 168].

قوله هنا: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ هذا التعليل هو الذي حمل عامة أهل العلم على حمل الفساد في البر والبحر بنقص الأموال والأنفس والثمرات، أن المقصود بالفساد هذا التحول والتغير في هذه الأشياء جزاء على أعمالهم، هذا السبب الذي حمل هؤلاء العلماء كثير من السلف فمن بعدهم على تفسير الفساد بهذا الذي هو النتيجة، المعنى الثاني الذي ذكرناه ولكن بين المعنيين ملازمة كما سمعتم، يعني لماذا لم يفسروه بالمعاصي ظَهَرَ الْفَسَادُ يعني المعاصي، لِيُذِيقَهُمْ مع أن هذا ممكن أن يفسر بهذا المعنى ولا إشكال، وتكون اللام أيضاً صالحة أن تكون للتعليل.

  1. رواه ابن ماجه، كتاب الحدود، باب إقامة الحدود، برقم (2538)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم (231)، وحسنه في صحيح الجامع، برقم (3130).
  2. رواه البخاري، كتاب الرقائق، باب سكرات الموت، برقم (6512)، ومسلم، كتاب الجنائز، باب ما جاء في مستريح ومستراح منه، برقم (950).
  3. رواه أحمد في المسند، برقم (7949)، وقال محققوه: "هذا خبر إسناده ضعيف لا يثبت، وليس هو بحديث، ولا ندري وجه وقوعه في مسند أبي هريرة".