الأربعاء 26 / جمادى الآخرة / 1447 - 17 / ديسمبر 2025
لِيَجْزِىَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن فَضْلِهِۦٓ ۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلْكَٰفِرِينَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ ۝ مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلأنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ۝ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [سورة الروم:43-45].

يقول تعالى آمرًا عباده بالمبادرة إلى الاستقامة في طاعته، والمبادرة إلى الخيرات: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ أي: يوم القيامة إذا أراد كونه فلا رادَّ له، يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ أي: يتفرقون، ففريق في الجنة وفريق في السعير؛ ولهذا قال: مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلأنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ۝ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ أي: يجازيهم مجازاة الفضل: الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى ما يشاء الله، إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ، ومع هذا هو العادل فيهم الذي لا يجور.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

 فقوله - تبارك وتعالى -: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ المقصود أن الإنسان يتوجه إلى الله - تبارك وتعالى - وحده لا شريك له بالعبادة فيوحده ويفرده دون ما سواه، فَأَقِمْ وَجْهَكَ فتكون وجهته واحدة، والدين القيم يعني المستقيم، فالله - تبارك وتعالى - وصفه بذلك في مواضع من كتابه، وهو الإسلام، وهو الصراط المستقيم، فوحِّد وجهتك واجعل توجهك لاتباع صراط الله المستقيم موحداً المعبود ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ، قال: أي يوم القيامة إذا أراد كونه فلا راد له يعني لا يقدر أحد على رده وقوله: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ، "من الله" بعضهم يقول: هو متعلق بـ"يأتي" يعني من قبل أن يأتي من الله يوم لا مرد له، فهذا اليوم يأتي من الله على هذا المعنى، وبعضهم يقول: إنه متعلق بمحذوف فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ هذا المحذوف يدل عليه المصدر، وهو قوله مرد: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ هذا يرجع - والله أعلم - من حيث المعنى إلى ما ذكره ابن كثير - رحمه الله - يعني لا يرده من الله أحد، متعلق بمحذوف يدل عليه المصدر فيكون التقدير هكذا، أي لا يرده من الله أحد، عبارة ابن كثير كما ترون فلا راد له، لا مرد له من الله، لا يقدر أحد على رده ودفعه أو تأخيره يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ قال: أي يتفرقون، هذا تصدُّع كما قال: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [سورة الشورى:7]، وهو ما ذكره الله من قبل ذلك في لفظ التفرق، يتفرقون قال: ولهذا قال: مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلأنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ يمهدون يعني يوطِّئون لأنفسهم المنازل بالجنة بالأعمال الصالحة، فتقول: هذا طريق ممهد، وكذا يقال: المهاد فَلأنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ فهؤلاء الذين يعملون الصالحات إنما يعملون ذلك لأنفسهم ويرجع جزاء ذلك عليهم، فهم المنتفعون بذلك، والله - تبارك وتعالى - غني عنهم وعن طاعتهم وعبادتهم، فَلأنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ، مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا [سورة فصلت:46] ثم قال: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ، هذه اللام يحتمل أن تكون متعلقة بقوله: يَصَّدَّعُونَ يتفرقون، لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ يعذبهم، يصدعون ليجزي، وهذا اختيار ابن جرير - رحمه الله -، وبعضهم يقول: إنه متعلق بقوله: يَمْهَدُونَ يعني من عمل صالحاً فَلأنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ۝ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ يمهدون ليجزيهم الله - تبارك وتعالى - الجزاء الحسن في الدنيا والآخرة، وبعضهم يقول: إنه متعلق بمقدر محذوف أي ذلك ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله.