الأربعاء 21 / ذو الحجة / 1446 - 18 / يونيو 2025
أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِى مَسَٰكِنِهِمْ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ ۖ أَفَلَا يَسْمَعُونَ

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ ۝ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ [سورة السجدة:26-27].

يقول، يقول تعالى: أولم يهد لهؤلاء المكذبين بالرسل ما أهلك الله قبلهم من الأمم الماضية بتكذيبهم الرسل ومخالفتهم إياهم فيما جاءوهم به من قويم السبل، فلم يبق منهم باقية ولا عين ولا أثر، هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا [سورة مريم:98]؛ ولهذا قال: يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ أي: وهؤلاء المكذبون يمشون في مساكن أولائك المكذبين فلا يرون فيها أحداً ممن كان يسكنها ويعمرها، ذهبوا منها، كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا [سورة الأعراف:92]، كما قال: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا [سورة النمل:52]، وقال: فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ ۝ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ إلى قوله: وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [سورة الحج:45-46]؛ ولهذا قال هاهنا: إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أي: إن في ذهاب أولائك القوم ودمارهم وما حل بهم بسبب تكذيبهم الرسل، ونجاة من آمن بهم لآيات وعبراً ومواعظ ودلائل متناظرة، أَفَلا يَسْمَعُونَ أي: أخبار من تقدم، كيف كان أمرهم؟.

قوله - تبارك وتعالى -: أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ، يهد لهم يعني: يبين لهم، كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْقُرُونِ، فكم هذه تدل على التكثير، قرون كثيرة أهلكها الله ، وقوله: يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ هذا المشهور وهو ما ذكره ابن كثير، الذي عليه عامة المفسرين، يعني أن المشركين يمشون في مساكنهم، كما قال الله : وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ ۝ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [سورة الصافات:137-138]، وبعض أهل العلم قال: يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إن ذلك يرجع إلى المهلَكين، كانوا يمشون في مساكنهم ثم صارت خاوية خالية، ليس فيها أحد، لكن الأول هو الظاهر المتبادر، يعني أن المشركين يمشون في مساكنهم، ومع ذلك لا يتعظون ولا يعتبرون، هذا في ذلك الزمان، وأما في زماننا هذا فالأمر أشد، حيث صارت أماكن المعذبين أماكن للفرجة والنزهة، وهؤلاء الذين يأتونها أبعد ما يكونون عن الاعتبار، وإنما يعتبرون هذا نوعاً من السياحة والترويح والتسلية، والتقاط الصور، وما إلى ذلك، ولذلك تجد أن الكثيرين لربما يمرون على أماكن المعذبين قديماً أو يرون، يرى العالم بأسره ما يقع من العذاب المدمر المهلك لبلاد طويلة عريضة، ومع ذلك لا تكاد تجد من يعتبر، آخر ما حصل في اليابان، ومن الذي يعتبر؟، تتحول بيوتهم إلى هشيم، إلى حطام، ومع ذلك تجد هذه القوى التي يحتكرونها، أعني القوى النووية ويهددون بها العالم، ولا يملكها إلا هؤلاء الذين يعدون أنفسهم من العالم الأول، أصحاب القوى العظمى، تجد أنها تتحول إلى عبء، وخطر وشبح يهدد حياتهم بعدما كانوا يهددون به الناس، فهم يترقبون في أي لحظة أن يقع لهم زلزال، ثم بعد ذلك يكون هؤلاء هم ضحايا ما شيدوه وبنوه وأنفقوا فيه الأموال، ولطالما خوفوا به الضعفاء، ومن تسلطوا عليهم عدواناً وظلماً، واليابان ليست بمنأى عن هذا، فإن أمريكا على لسان رئيسها السابق بوش صاحب الحرب الثانية في العراق، ذكر لما أعلن النصر أنهم انتصروا بالتكنولوجيا اليابانية، فاليابان داخلة معهم في حروبهم، وتقدم لهم، وهي تابعة لهم كما هو معلوم.

فالاعتبار اليوم صار أقل، بل لو قال قائل - كما حصل في تركيا وغيرها، عندما حصل الزلزال وكذا، لما تكلم بعض الخطباء -: إن هذه عقوبة من الله ينبغي أن نعتبر بها، استُدعوا وحُقق معهم، ووجهت إليهم تهمة، كيف تقولون: عقوبة؟ ورأيتم ما حصل في إندونيسيا وفي غيرها، ورأيتم بالصور الأعاصير المحرقة التي تحولهم في لحظات إلى شيء آخر، ومع ذلك لا تجد من يعتبر، يعني: هؤلاء إذا نزل بهم بأس الله هل يتوبون، يراجعون أنفسهم؟ أبداً لا يزدادون إلا كفراً وغياً وضلالاً وبعداً عن الله .

قال: وقوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأرْضِ الْجُرُز يبين تعالى لطفه بخلقه، وإحسانه إليهم في إرساله الماء إما من السماء أو من السيح، وهو: ما تحمله الأنهار وينحدر من الجبال إلى الأراضي المحتاجة إليه في أوقاته.

 قال: وإحسانه إليهم في إرساله الماء إما من السماء أو من السَيح، وهو: ما تحمله الأنهار وينحدر من الجبال إلى الأراضي المحتاجة إليه في أوقاته؛ ولهذا قال تعالى: إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ، وهي التي لا نبات فيها، كما قال تعالى: وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا [سورة الكهف:8]، أي: يَبَسًا لا تنبت شيئاً؛ ولهذا قال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ، كما قال تعالى: فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ۝ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا [سورة عبس:24-25] الآية؛ ولهذا قال هاهنا: أَفَلا يُبْصِرُونَ.

قوله: إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ قال: هي التي لا نبات فيها، الجرز: أصل ذلك من الجَرز وهو القطع، فالأرض الجرز يعني: كأنها التي قطع نباتها، وليس ذلك معنياً بالضرورة، ولكن المقصود يعني كما عبر عنه: لا نبات فيها، كأنه قطع نباتها؛ لعدم الماء، بمعني أرض جرداء لا حياة فيها لا نبات فيها، ولا يفهم من هذا أنها الأرض التي لا تُنبت، الأرض الجرز، كما هو ظاهر عبارة بعض المفسرين، وإنما المقصود الأرض الميتة؛ لعدم نزول الماء، أو لعدم وجود الماء فيها، لعدم الماء، الأرض الجرز، وإلا لو كانت لا تنبت فإنها لا تستفيد من الماء وهي سباخ، ولكن الله قال هنا: فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا، فدل على أنها تنبت، فالله - تبارك وتعالى - ينزل الماء على الأرض الصالحة لذلك القابلة له، وتارة تكون الأرض لا تنتفع بالماء الذي ينزل عليها من المطر؛ لطبيعة أرضها ولكنه يسوق إليها الأنهار من أماكن أخرى كأرض مصر، ومضى هذا، فهنا هذا هو المراد - والله تعالى أعلم -: أَنَّا نَسُوقُ الْمَاء إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ لكن ليس ذلك بقاطع أيضاً، يعني سَوْق الماء هنا، أَنَّا نَسُوقُ الْمَاء، وذكر ابن كثير - رحمه الله - المعنيين، يعني لا يفهم بالضرورة هنا أنه يسوق الماء من الأماكن الأخرى عبر الأنهار، وإنما يسوق إليها الماء، ماء المطر، ويسوق إليها الماء عبر الأنهار، فهذا وهذا.

يقول: ليس المقصود بذلك أرض مصر على سبيل الحصر، وإن كانت مقصودة قطعاً، هذا كلام ابن كثير؛ لأن بعض المفسرين يمثل، والذي يظهر - والله أعلم - من الْأَرْضِ الْجُرُزِ، أنهم حينما يذكرون مصر يقصدون على سبيل التمثيل، وإلا فذلك لا يختص بها، يقول: لأن أرضها رخوة، فإذا كثر نزول المطر عليها تهدمت أبنيتها، فيكون ذلك ضرراً، فيسوق إليها الماء من أماكن أخرى، ويحمل هذا الماء معه من الطين ما يكون صلاحاً لأرضها، لكن سوْق الماء لا يعني بالضبط، أو لا يعني بالضرورة، أو لا يعني بالتحديد سوق الماء عبر الأنهار، ولكنه يكون بهذا وهذا، مما يتصل بهذه الآية - والله تعالى أعلم -، باعتبار ما يفسر به الجرز، الأرض الجرز، - والله أعلم -.