ثم قال تعالى: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ أي: أعرض عن هؤلاء المشركين وبلغ ما أنزل إليك من ربك، كقوله: اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلا هُوَ [سورة الأنعام:106] الآية، وانتظر فإن الله سينجز لك ما وعدك، وسينصرك على من خالفك، إنه لا يخلف الميعاد.
وقوله: إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ أي: أنت منتظر، وهم منتظرون، ويتربصون بكم الدوائر، أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ [سورة الطور:30]، وسترى أنت عاقبة صبرك عليهم وعلى أداء رسالة الله في نصرتك وتأييدك، وسيجدون غبّ ما ينتظرونه فيك وفي أصحابك من وبيل عقاب الله لهم، وحلول عذابه بهم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
قوله - تبارك وتعالى - هنا: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ أمره بالإعراض، وَانْتَظِرْ بعضهم يقول: إن هذه الآية نسختها آية السيف، كما هو معلوم، يقولون: إن آية السيف نسخت مائة وأربعاً وعشرين آية، يعني كل آية فيها إعراض عن المشركين أو صفح وغفر فيقولون: منسوخة بآية السيف، والمقصود بها الآية الخامسة من سورة براءة، وهي قوله - تبارك وتعالى -: فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ [سورة التوبة:5]، وهذا فيه نظر، وإنما المقصود بذلك كما قال الله : فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [سورة النجم:29]، بمعنى لا تشغل نفسك بهم ولا تحزن لعدم إيمانهم، هذا هو المراد، وآية السيف لم تنسخ هذا القدر الذي يذكرونه، والله تعالى أعلم.
وَانْتَظِرْ قال: انتظر فإن الله سينجز لك ما وعدك وينصرك على من خالفك، وَانْتَظِرْ، انتظر نصر الله، وانتظر أيضاً ما ينزل بهؤلاء من العذاب بسبب تكذيبهم، قال: إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ، وهم منتظرون لماذا؟ الحافظ ابن كثير هنا حمله في أول كلامه على تربصهم به ، يعني: أنت تنتظر نصر الله، ويمكن أن نزيد: تنتظر ما يقع بهم بسبب التكذيب، وهم منتظرون ما ينزل بك، يتربصون بك الدوائر، هذا المعنى صحيح، ولكن إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ يمكن أن يحمل على معنى آخر ذكره ابن جرير - رحمه الله - ورجحه، وهو أنهم منتظرون ما تعدهم من العذاب، ومجيء الساعة، وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ، وعبارة ابن كثير - رحمه الله - الأخيرة: وسيجدون غب ما ينتظرونه فيك وفي أصحابك من وبيل عقاب الله لهم وحلول عذابه بهم، فهذه العبارة تشير إلى المعنى الثاني الذي ذكره ابن جرير، وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ منتظرون ما يقع لك من المكروه، أو منتظرون ما ينزل بهم من عذاب الله في الدنيا والآخرة.