الجمعة 01 / محرّم / 1447 - 27 / يونيو 2025
وَٱتَّبِعْ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا

المصباح المنير
مرات الإستماع: 0

تفسير سورة الأحزاب وهي مدنية.

بسم الله الرحمن الرحيم

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ۝ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ۝ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا [سورة الأحزاب:1-3].

هذا تنبيه بالأعلى على الأدنى، فإنه تعالى إذا كان يأمر عبده ورسوله بهذا فلأن يأتمر مَن دونه بذلك بطريق الأولى والأحرى، وقد قال طَلْق بن حبيب: التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله مخافة عذاب الله.

قوله - تبارك وتعالى -: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ابن كثير - رحمه الله - يقول: هذا تنبيه بالأعلى على الأدنى، بمعنى أنه خطاب وجه إلى النبي ﷺ وهو أتقى الأمة لله ، والمراد مخاطبة الأمة بالتقوى، فإن الأمة تخاطب في شخصه ؛ لأنه قدوتها ومتبوعها، هذا المراد، والنبي ﷺ مأمور بتقوى الله - تبارك وتعالى -، وهذا يدل على عظم شأن التقوى وهي مراتب، مراتبها كثيرة لا تنتهي، ثم إن هذا أيضاً جاء توطئة لما ذكر هنا من قوله: وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، ولقوله: وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، فهذا يفيد قصر تقواه ﷺ وحصر هذه التقوى على التعلق بالله دون أحد سواه، وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ، وكأن هذا مقدمة لما ذكره بعده يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ.

وفيما يتصل أيضاً بمخاطبته ﷺ بـ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ هنا فرق بين باب المخاطبة والإخبار، فالمخاطبة حينما تقول: يا فلان، طبعاً معروف أن العرب تفضل وتحب الكنية فإن لم يكن فالاسم، فآخر ذلك اللقب، تكره النداء باللقب، فهنا في باب المخاطبة يحسن أن تذكر الكنية أو ما يكون به التكريم، تقول: يا أبا فلان، وتقول: يا أستاذ ونحو ذلك، في باب المخاطبة، فهنا قال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ تكريماً وتعظيماً لشأنه ﷺ، وفي باب الإخبار يذكر الاسم؛ ليحصل المقصود، مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ [سورة الفتح:29] ليعرف الناس أنه رسول الله ﷺ، هذا تعليم من الله، فليس ذلك المقام - أعني الإخبار - كالمخاطبة، فحينما يخاطب يطلب من التعظيم ما لا يطلب بمجرد الإخبار، تقول: جاء زيد وذهب عمرو، ونحو ذلك، فإذا خاطبت واحداً منهما خاطبته بما يحب أو بما يكون فيه التعظيم أو التكريم أو نحو ذلك.

قوله تعالى: وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ أي: لا تسمع منهم ولا تستشرهم، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا أي: فهو أحق أن تتبع أوامره وتطيعه، فإنه عليم بعواقب الأمور، حكيم في أقواله وأفعاله، ولهذا قال تعالى: وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ أي: من قرآن وسنة، إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً أي: فلا تخفى عليه خافية.

وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ أي: في جميع أمورك وأحوالك، وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً أي: وكفى به وكيلاً لمن توكل عليه وأناب إليه.

هنا لما نهاه عن طاعة الكافرين والمنافقين أمره باتباع ما يوحى إليه من ربه؛ لأن النهي ليس مقصوداً لذاته فهو من باب التخلية، فأمره باتباع ما يوحى إليه من ربه، وبالتوكل عليه؛ لأنه قد يتخوف غوائلهم، فهنا في قوله: وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ قال: لا تسمع منهم ولا تستشرهم، يعني: لا تسمع ما يشيرون به ابتداء، ولا تستشرهم: تطلب رأيهم، فإنهم لا يدلونك على خير، إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً، في قراءة أبي عمرو بِمَا يَعْمَلُونَ، فيشمل ذلك المسلمين وغير المسلمين، إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً.